فلما رأى المقداد جواده بكى بكاء شديدا، ثم لبس الدرع وحط البيضة على رأسه وتقلد سيفه واعتقل برمحه وحمل الدرقة وركب جواده وحماه بسوط فزع، فزعق فيه وجعل يطرد في ذلك الوادي حتى وصل إلى الميدان ووقف مع جملة الفتيان والسادات والأقران، وتقدم إلى الصدام ضيق اللثام وأعد روحه من الكرام، وكانت المياسة قد دارت عينها يمينا وشمالا ومارست الفرسان وعرفت الشجاع من الجبان، فعند ذلك عز على المقداد جواده وحمل حملة منكرة وأزبد وأرعد وأنشد يقول:
اليوم تشهد معجزي كل الورى
اليوم أزدى من لقاني على الثرى
اليوم أظهر في قريش سطوتي
حتى ينظروا فعالي مجهرا
يا من أتى نحو الحبيبة خاطبا
فارجع الآن ودع عنك المرا
قال: ثم إن المقداد أطلق عنان جواده، وحمل على السادات من قريش وصال على فارس فجندله، وطعن ثانيا فقتله، وثالثا أخرج السنان يلمع من ظهره ورابعا أرداه يخور بدمه، فما كان إلا ساعة زمانية حتى جندلهم على الثرى والناس ينظرون إليه، فمنهم من يقول هذا شيطان، ومنهم من يقول هذا غيل من الغيلان أو عفريت من الجان، ومنهم من يقول هذا ملك أو سلطان.
فلما نظرت المياسة إليه وإلى فعلته أمرت أن يسرجوا لها جوادها، فأتوا بجواد أدهم سابق كالدرهم أو كالغراب الأسحم، رحب البان منتصب الآذان، مقبقب الحوافر واسع المناخر مهضوم الخواصر مقلم الأظافر، قليل لحم الخدين والفخذين، وهو ذو طرف عجيب، ذيله كالسهب، يلح بالصهيل إذا سابق، إن طلب لم يلحق، وهو كأنه البرق والخاطف.
قال: ثم إن الماسة أسرجته وألجمته واستوت على ظهره وأطلقت عنانه، وبرزت إلى الميدان وقومت السنان، فخرج من تحتها الجواد كالريح الهبوب، كالماء إذا اندفق من ضيق الأنبوب، كأنها لمعة سنان أو كالبرق الخاطف عن الأعيان.
Shafi da ba'a sani ba