قال: ثم إن المقداد حمل على القوم وجعل ينكس فارسا بعد فارس وبطلا بعد بطل حتى قتلوا عن آخرهم، قال فلما نظر عوف ما جرى على أصحابه ونظر إلى المقداد وهو يريد الوصول إليه قال: يا مقداد دونك عروسك فلست أنازعك عليها ولا أمانعك عنها، فإني كنت ناصحا لهم ونصحتهم فما قبلوا نصيحتي فظلوا طعمة للوحوش والعقبان لا شلت يمينك. قال: فلما سمع المقداد كلام عوف رجع عنه، فلما نظرت المياسة إلى فعل المقداد تبسمت ضاحكة وأنشدت تقول:
يا مرحبا بك من فتى جواد
من عجمها والعرب والأكراد
أنت الشجاع البطل المقداد
زكى الآباء والأجداد
المياسة.
قال ثم إن المياسة نظرت إلى المقداد وقالت: يا ابن العم أراك رجعت عن هذا الفارس؟ فقال: يا بنت العم قد طلب منا العفو فعفونا عنه. قال: ثم إن المقداد أمر العبيد والغلمان بأن يجمعوا الأسلاب والخيل والسلاح، فجمعوا وساروا طالبين حيهم وديارهم، وجعل الهودج والأموال بين يديه، وترك القوم تأكلهم النسور والسباع والوحوش، ثم إن المقداد لم يزل سائرا حتى غابت الشمس فقال للعبد: انزلوا ها هنا حتى نستريح فإن الحر قد غشانا. فنزل العبيد ونصبوا خيامهم فنزل المقداد وأمر هو أن ينصبوا خيمة المياسة فنصبوها ونزلت المياسة وجلست في خيمتها، فأمروا أن يقدموا الطعام والشراب فقدموه له فأكل وشرب، ثم إن المقداد استراح ساعة وتذكر ما قاساه وما لاقاه وأنشد يقول:
زال عن قلبي الهم والأتراح
وتخلى عن لوعة ورتاح
ولقد ساءني صد طويل
Shafi da ba'a sani ba