فقال الوزير: يا ملك الزمان، إن في البستان أسدا وأنت مربيه على لحوم بني آدم، فأرسله إلى الأسد فيفترسه وتخلص من شره. فقال الملك كسرى: إن كان يقتل الأسد؟ قال: أنت مربيه وكلما تغضب على أحد ترميه له فيفترسه ولا بد أن يقتله. وكان الأسد مسلسلا بالسلاسل والحديد وكان ذلك الأسد عند الملك كسرى يعدل نصف دولته، ثم قال الملك للوزير: وإن كان المقداد يقتل الأسد؟ فقال الوزير: لا يهولنك أحواله في حومة الميدان، فإنه لا يقدر على الأسد فإن كان المقداد يقتل الأسد اقتلني عوضه.
قال: فعند ذلك أمر الملك كسرى بعض غلمانه وقال: ائتني بالمقداد. فأسرع الغلام إلى المقداد وقال له: الملك يدعوك إلى حضرته. فقال: حبا وكرامة. ثم إن المقداد سار صحبة الغلام حتى دخل على الملك.
فلما حضر بين يديه سلم على الملك وعلى الوزراء فرد عليه السلام، قال المقداد: يا ملك الزمان لخير دعوتني فأتلقاه أو لشر فأتوقاه؟
قال الملك: لخير دعوناك يا مقداد، اعلم أن لي بستانا وفيها أسد عظيم وقد استكلب على لحوم بني آدم، وليس عندنا هنا من يقتله ولا يقدر عليه أحد وأريد منك أن تقتله وتكفي الناس شره، وبعد أن تقتله أجزل لك العطاء. فعند ذلك قال المقداد: يا ملك الزمان وأين الأسد؟ قال: فعند ذلك أمر الملك بأن يدله عليه غلام من غلمانه وقال له: امض قدام المقداد. فمضوا إلى أن وصلوا إلى البستان فقال الغلام: يا مولاي، إن الأسد في هذا البستان. فعند ذلك أخذ المقداد سيفه بيمينه والدرع بشماله، ودخل البستان فضرب الباب فانفتح من غير مفتاح وإذا هو بالأسد واقف عند الباب.
فلما نظر الأسد إلى المقداد وكان أسدا غشوما مشوما، وقد فتح فكه كالقلب وكشر أنيابه كالكلاب أو كأنها معاول من حديد، فلما دنا المقداد منه وزمجر وأوعد وأنشأ يقول:
غشوما دافع الكف زائرا
يمرغ يديه بيدي زماجرا
ويضرب بذنبه الخواصر تارة
وتارة يكفيه مد الأظافر
قال: ثم إن المقداد رمى جميع ما عليه من الثياب حتى ما بقي عليه غير السروال وثوب عتيق، فجمع أذياله وشد بعضها ببعض وشمر ذراعه وجذب سيفه وحمل على الأسد، فلما نظر الأسد إلى المقداد وهو مقبل عليه صاح وندب وضرب ذنبه على خواصره وتمطى حتى صار مثل ما كان مرتين، ثم إنه جمع نفسه ووثب على المقداد وثبة عظيمة، قال: فوثب المقداد عليه وتلقاه بقلب أقوى من الصخر وأجرى من البحر، وكان الأسد رافعا كفه ويحجل على ثلاثة أرجل وهوى على المقداد فتلقاه المقداد بدرقته وضربه بالسيف بين عينيه، فطلع السيف من بين فخذيه فقسمه نصفين وذكر المياسة وأنشأ يقول:
Shafi da ba'a sani ba