Labarin Falsafar Girka
قصة الفلسفة اليونانية
Nau'ikan
Comedy ، ويقول إن المأساة تصور أنبل نماذج الناس، والمهزلة تصور أحطها، ومعنى هذا عنده أن بطل المأساة يجب أن يكون ذا شخصية كبيرة، وأن يظهر بمظهر لائق محترم، أما الوضيع والحقير فلا يصلح أن يكون بطلها، وعلى العكس من ذلك بطل المهزلة، فيجب أن يتمثل مخلوقا حقيرا تافها سخيفا حتى يستثير منا الضحك، كذلك المأساة تستثير الرحمة والشفقة، فتستخرج منا أنبل العواطف، أما ما يحملنا على الضحك والهزء فليس يحرك منا جانب العواطف الشريفة. (8) نظرة في فلسفة أرسطو
لن يطول بنا موقف النقد لأرسطو كما حدث عند أفلاطون وذلك لسببين؛ الأول: أنه كان أقل تعرضا للخطأ منه، والثاني: أن أهم ما يؤخذ على فلسفته ردها الكون إلى عنصرين أوليين، شأنه في هذه الثنائية شأن أستاذه، ولما كنا قد نقدنا هذه الناحية في أفلاطون فحسبنا الآن إشارة سريعة عجلى، فليست فلسفة أرسطو في أساسها إلا الفلسفة الأفلاطونية أزيل منها كثير مما كان يشوبها من مواضع الضعف ومواطن الزلل.
لقد كان أفلاطون بحق واضعلسفة المثالية (
Idealism )، ولكنه لم يستطع أن يهذبها حتى تصح وتستقيم، فتركها لخلفه إرثا مثقلا بالأخطاء، انظر إلى الروح كيف رآها شيئا يقحم في البدن إقحاما ثم ينتزع منه آخر الأمر انتزاعا، كأنما هي مادة تدفع في مادة دفعا آليا، فذلك منه رأي لم ينضجه طول البحث، ثم انظر فوق ذلك إلى خلطه العجيب بين الحقيقة المجردة وبين الوجود الواقع، وكيف ذهب إلى أن للفكرة الكلية التي يصل إليها الذهن وجودا فعليا في الخارج، فبذلك نزل بالكلي إلى مرتبة الجزئي، تلك بعض الأخطاء التي شوه بها أفلاطون فلسفته المثالية؛ فكان حتما على أرسطو أن يخلص نظرية المثل مما علق بها من شوائب، وأن يجلوها ويزيل ما غشاها به صاحبها من غبار.
أقام أرسطو فلسفته على أساس من أفلاطون، فقد اتفق معه بادئ الأمر على أن الحقيقة النهائية التي صدر عنها الوجود بأسره هي الفكر، أو بلفظ آخر الكلي، أو بكلمة ثالثة المثال، أو بعبارة رابعة الصورة أو ما شئت فسمه. اتفق معه على هذا الأساس ولكنه اختلف معه فيما أقامه عليه من بناء، فقد ذهب أفلاطون إلى أن الصورة العقلية الكلية التي يرسمها الإنسان في ذهنه للأشياء إنما هي صورة لها مقابل موجود فعلا في عالم خاص هو عالم المثل؛ ولذا كان - في رأيه - يسيرا على الروح الهائمة أن تشهد تلك المثل، فنقد أرسطو هذا الرأي من أستاذه؛ لأنه رأى في ذلك نزولا بالفكر إلى منزلة الأشياء الجزئية المحسوسة، فما ينبغي أن يكون للصورة الذهنية مقابل في الخارج كما هي الحال في الصور التي تنقلها إلينا الحواس، وهذب أرسطو من هذا الرأي فقال إنه على الرغم من أن الإدراك الكلي هو الحقيقة، إلا أنه ليس له وجود مستقل في عالم خاص به، بل إن وجوده محصور في هذا العالم الذي نعيش فيه، وليست الإدراكات الكلية إلا صور الأشياء الجزئية، وبهذا تفوق أرسطو على سلفه تفوقا بعيدا، وخطا بالفلسفة مرحلة فسيحة حتى بلغ بها أبعد حد عرفه الفكر اليوناني.
ولم يكن فضل أرسطو على الفلسفة مقصورا على ما ذكرنا من تهذيب المذهب المثالي، ولكنه أنتج فوق ذلك فلسفة للتطور لم يشهد التاريخ لها ضريبا حتى اليوم، إذا استثنينا «هيجل»، بل إن هيجل حين أخرج للعالم مذهبه في التطور إنما كان يتأثر أرسطو في خطاه ، ولعل هذا الجانب من فلسفته أقوم ما أضاف إلى ثروة الفكر، على الرغم من أنه قد استعار أساس البحث من أسلافه، فما نحسبك قد أنسيت مشكلة الصيرورة أو التحول، وكيف كانت للفكر اليوناني محاولات في هذا منذ أقدم العصور؛ فذلك هرقليطس ومن جاء بعده من فلاسفة بذلوا جهدا كبيرا لعلهم يدركون كيف أمكن لهذا التحول الطارئ على الأشياء أن يكون، فباءوا آخر الأمر بالإفلاس، على أن هذا الذي قد فشلوا فيه لم يكن من المشكلة إلا أتفه جوانبها، وإنما الأمر كل الأمر هو معنى التحول، والغاية التي تقصد إليها هذه الصيرورة الدائمة الدائبة بين الأشياء، فليس ما نرى في العالم من تحول وتغير ضربا من العبث لا يقصد إلى غاية معلومة كما ذهب أولئك الفلاسفة القدامى، ولكنه ارتقاء بالأشياء من الأسفل إلى الأعلى، فيستحيل أن تكون هذه الأحداث المتعاقبة في الكون كما زعم القدماء «قصة يرويها مأفون، تدوي بالصوت وتضطرب بالحركة ولا تدل على شيء» بل لا بد أن يكون أمامها غاية؛ لهذا لم يقنع أرسطو بالبحث في إمكان الصيرورة فحسب، بل أخذ يقيم البرهان على أن لهذا التحول الدائب قصدا ومعنى، فليس يخبط في سيره خبط عشواء إنما يسير نحو غاية معلومة يعرف السبيل إليها، أما الغاية فلا شك في أنها عقلية، وأما سبيلها فهو ارتقاء عقلي منظم ينتقل بالعالم مرحلة بعد مرحلة.
تلك كانت فلسفة أرسطو، وهي على الرغم من أنها أبلغ ما وصلت إليه الحقيقة في التعبير عن نفسها في العصور القديمة، إلا أنها لا تخلو من الخطأ والنقص، وأي فلسفة تخلو منهما؟ وها نحن أولاء نعمد إلى مقياسنا ذي الحدين، الذي ذكرناه من قبل لنخبر به فلسفته، ونرى هل وصلت بالفكر إلى حد يجوز الركون إليه، وذلك المقياس هو أن نطرح هذين السؤالين: هل يمكن لمبدئه أن يفسر العالم؟ وهل يستطيع أن يفسر نفسه بنفسه؟ (1)
لعل ما أدى بفلسفة أفلاطون إلى الفشل في تفسير الكون هو تلك التثنية التي ذهب إليها، بأن شطر الوجود إلى حس وفكر، أو بعبارة أخرى إلى مادة ومثل، فتعذر عليه بعد ذلك أن يشتق هذا العالم من تلك المثل؛ إذ زعم أنها مستقلة عن العالم تمام الاستقلال، فأوجد بذلك هوة سحيقة بين شطري الوجود استحال عليه رتقها كما ذكرنا، فجاء أرسطو ولمس هذا النقص في فلسفة أستاذه، فحاول أن يتداركه بالإصلاح، وذلك بأن يمحو تلك الاثنينية من فلسفته محوا، فبدأ بإنكاره أن يكون الكلي والجزئي منفصلين، وأن يكونا في عالمين متباعدين، فلا يمكن أن يكون المثال شيئا هنا، وأن تكون المادة شيئا غيره هناك، بحيث يحتاجان إلى قوة خارجية تدفعهما فتقرب بينهما وتدمجهما في وحدة هي هذا العالم الذي نرى، إنما الكلي والجزئي أي الصورة والمادة كل لا يتجزأ، هكذا عدل أرسطو من رأي أفلاطون، فهل تراه وفق في إزالة الاثنينية ومحوها كما أراد؟ لا نحسبه كذلك، فلا يكفي أن تجمع المادة إلى صورة بأية وسيلة من الوسائل ثم تزعم أنهما قد أصبحتا وحدة متصلة لا سبيل إلى انفصالها مع اعترافك بأنهما حقيقتان نهائيتان مستقلة إحداهما عن الأخرى؛ لأنه إن كان مبدأ العالم المطلق هو الصورة لزم أن تكون المادة صادرة عن تلك الصورة، وأن يقوم الدليل على أن المادة ليست إلا مظهرا لها. إنه لا يكفي أن تدلل على أن الصورة تخلع على المادة شكلها وكفى، بل يجب أن تكون الصورة منشئة المادة وخالقتها، وأن يكون كل شيء في الوجود قد صدر منها وفاض عنها ما دامت هي وحدها الحقيقة الأولى كما فرضنا، ولكن ها نحن أولاء نرى بين أيدينا عنصرين: صورة ومادة، فإما أن تكون المادة نشأت من الصورة أو لا تكون، فإن لم تكن تحتم ألا تكون الصورة وحدها هي الحقيقة النهائية للكون، بل تقف المادة معها كتفا إلى كتف عنصرا نهائيا أصليا، وبذلك يكون في العالم كائنان كلاهما لا ينشأ عن أخيه، ولكنهما موجودان معا منذ الأزل، وما هذا من أرسطو إلا إقرار بالاثنينية لا ريب فيه، فهل عالج فلسفة أفلاطون كما أراد؟ كلا، إنه لم يستطع ، ووقع فيما أراد أن ينجو منه، وإذن فقد بقيت مشكلة الوجود قائمة تنتظر الحل إذ لم يفسرها أرسطو. (2)
هل يفسر مبدأ الصورة نفسه؟ الجواب هنا أيضا بالنفي؛ لأنه لا يفسر نفسه إلا إذا نهض الدليل القاطع على أنه مبدأ تمليه البداهة ويحتمه العقل، أو بعبارة أخرى يلزم وجوده بالضرورة، ولكنه ليس كذلك، فهو بيان للأمر الواقع لا أكثر ولا أقل، فلا ندري لماذا يجب أن يكون الواقع هكذا، وألا يكون شيئا غير هذا. إنه كان ينبغي لأرسطو إذا أراد أن يفسر هذا بتعليل معقول أن يبرهن على أن كل ما في العالم من صور وحدة مرتبطة منظمة، وأن بعضها ينشأ من بعض كما سبق لنا القول في نقد أفلاطون. إنه كان ينبغي أن يشتق المثل مثالا من مثال حتى يردها جميعا إلى مثال أعلى يلزم وجوده بالضرورة ولا يحتاج إلى تعليل، يقول أرسطو إن التغذي هو صورة النبات والإحسان صورة الحيوان، وإن التغذي يمر في تطوره إلى الإحساس، وهو يقف عند حد هذا البيان لما هو واقع حادث فلا يعدوه إلى التعليل، لماذا يجب أن يتطور التغذي إلى إحساس؟ ولم كان هذا التطور ضرورة منطقية ليس إلى وقوعها من محيص؟ فهو قد وصف التطور ثم تركه بغير تعليل.
إن أرسطو يزعم لنا أن العالم يسير نحو غاية مقصودة، هي تحقيق العقل لوجوده، وأن هذه الغاية قد تحققت على وجه التقريب في الإنسان لأنه كائن عاقل، وهذا قول معقول لا غبار عليه، ولكن أليس معناه أن كل خطوة في التطور - أعني في سير العالم - يجب أن تكون أعلى من التي قبلها لأنها تكون أدنى إلى الغاية التي يتجه العالم نحوها في سيره؟ ولما كانت تلك الغاية هي تحقيق العقل لنفسه كان معنى قولنا أن كل خطوة أعلى من التي قبلها أنها أكثر منها عقلا، ولكن كيف يكون الإحساس أكثر عقلا من التغذي؟ ولماذا لا يكون العكس صحيحا؟ هو يقول إن التغذي يتطور إلى إحساس، فلماذا لا يجب أن يتطور الإحساس إلى تغذ؟ ما الذي يمنع أن ينعكس الوضع؟ إن كل فلسفة للتطور مقضي عليها بالفشل إذا لم توضح لماذا تكون الصورة العليا عليا والسفلى سفلى، فمثلا لماذا يجيء التغذي أولا باعتباره أسفل ثم يتلوه الإحساس ولا يكون العكس؟ إن كنا لا ندري سببا لاستحالة وقوع العكس فقد أفلست فلسفتنا في التطور في أهم أغراضها؛ إذ معناه أننا لا ندري فارقا حقيقيا يميز بين الأسفل والأعلى، وعلى ذلك يكون الانتقال في نظرنا مجرد تغير وتحول من حالة إلى حالة، ولا يلزم أن يصحبه علو وارتقاء ما دام لا فرق بين أن تتحول «أ» إلى «ب» أو «ب» إلى «أ»، فقد كان ينبغي إذن لأرسطو أن يقيم الدليل على أن الإحساس أرقى للعقل من حالة التغذي بأن يبين أن الإحساس نتيجة منطقية للتغذي؛ ذلك لأن الترقي المنطقي هو الترقي العقلي بعينه، وقل مثل هذا في سائر الصور جميعا.
Shafi da ba'a sani ba