Labarin Falsafar Zamani
قصة الفلسفة الحديثة
Nau'ikan
أن سكوتس كان أدق مفكري العصور الوسطى وأعمقهم على الإطلاق.
وبلغ من اتساع الخلف بين أكويناس وسكوتس أن كان لكل منهما أشياع ومؤيدون، فنشأت مدرستان فلسفيتان متعارضتان تعرفان باسمي هذين الزعيمين وهما: التوماسيون
Thomists
والسكوتيون
Scotists .
أما موضوع الخلاف بين هاتين المدرستين فكان هذا: أيهما أشرف مقاما بين قوى النفس: الإرادة أم العقل؟ أما التوماسيون فقد رفعوا من شأن العقل وأحلوه منزلة فوق منزلة الإرادة، وذهب السكوتيون إلى عكس ذلك، فوضعوا الإرادة فوق العقل، وحجة التوماسيين في تفضيل العقل أن العقل لا يقتصر على فهم فكرة الخير فحسب، ولكنه فوق ذلك يعرف ما هو الخير في كل حالة من الحالات، وبتلك المعرفة لناحية الخير يستطيع أن يوجه الإرادة في طريقها. إن الإرادة تجاهد في عمل ما تعلم أنه الخير، وإذن فهي معتمدة على علم الخير، أي على العقل؛ لأنه أداة العلم، ولكن معارضيهم ينكرون هذا القول إنكارا؛ لأنه لو صح لذهبت عن الإنسان كل مسئولية أخلاقية، ولكان مجبرا؛ لأن الإرادة على هذه الحال تكون خاضعة للعقل، لا تملك من أمرها شيئا. إن المسئولية الأخلاقية أساسها أن العقل لا يستطيع أن يضطر الإرادة أو يجبرها على هذا السلوك أو ذاك، ومهمة العقل لا يجوز أن تزيد على أن يعرض أمام الإرادة حالات مختلفة، ولها أن تختار من بينها ما تشاء.
ولم يقتصر الخلاف بين المدرستين في موضوع الإرادة والعقل على الدائرة السيكولوجية في الإنسان، ولكنه اتسع حتى شمل الله، وأصبح الخلاف أيهما أقدم وآصل، إرادة الله أم عقله، وفي ذلك يعترف توماس أكويناس وأتباعه بحقيقة الإرادة الإلهية، ولكنهم يعتبرونها نتيجة ضرورية لازمة للعقل الإلهي، إن الله لا يخلق إلا ما يعلم بحكمته أنه الخير، أي أن علقه يفكر أولا، والإرادة تعمل ثانيا، وإذن فالإرادة الإلهية يحدوها ويسيرها العقل الإلهي. أما دنس سكوتس وشيعته، فيرون في هذا المنظر تحديدا لقوة الله التي يجب أن تكون مطلقة من كل قيد، وأن يكون سلطانها مطلقا لا يقف دونه شيء. إن الله حين خلق العالم لم يخلقه إلا بإرادته وحدها، وكان يستطيع أن يخلقه في أية صورة شاء، وفي إمكانه اختيار هذه الصورة أو تلك، لا يملى عليه شيء خارج إرادته.
ثم لم يقف اختلاف المدرستين عند ذلك، بل تعداه أيضا إلى الأخلاق، فالمدرستان متفقتان على أن القانون الأخلاقي مفروض على الناس من الله فرضا، ولكن التوماسيين يذهبون إلى أن الله قد أمر بالخير لأنه خير، وهو خير لأن حكمته ارتأت ذلك، في حين يرى السكوتيون أن الخير قد أصبح خيرا لأن الله قد أراد له أن يكون كذلك، فقبل أن يأمر به الله لم يكن الخير خيرا، ثم اكتسب خيريته بعد إرادة الله، ومعنى ذلك أن التوماسيين يرون أن الواجب أو الأخلاق نظام معين يمكن للعقل أن يدرك أسسه وقواعده. أما السكوتيون فيذهبون إلى نقيض ذلك؛ حيث يقررون أن العقل عاجز كل العجز عن تحصيل علم الخير؛ لأن معرفته لا يمكن أن تكون إلا بالوحي والإلهام.
وهذا بعينه ما كان من الخلاف بين المعتزلة وأهل السنة في القرن الثاني الهجري وعبروا عنه بالحسن والقبح، هل حسن الأشياء وقبحها ذاتيان يمكن العقل إدراكهما أو هما شرعيان لا يدركان إلا بالشرع؟ •••
لقد رأيت من هذا أن الفلسفة المدرسية كانت تتجه - على العموم - نحو محاولة التوفيق بين العقيدة والعقل، أي بين الدين والفلسفة، وقد قامت إلى جانب الحركة المدرسية حركة أخرى تتطلب أن يعيش الناس حياة كلها ورع وزهد وعبادة وتأمل، وتعرف هذه الحركة بالحركة الصوفية، ومن أبرز رجالها فرانسيس أسيسي
Shafi da ba'a sani ba