189

Labarin Adabi a Duniya (Sashi na Farko)

قصة الأدب في العالم (الجزء الأول)

Nau'ikan

فكتابه من الناحية التاريخية عظيم الأهمية، وذلك لاعتماده على محفوظات الدولة كما ذكرنا وعلى كل كتب سابقيه، ثم على أقوال من شهدوا الوقائع التي يتحدث عنها، وأخيرا لأنه قد رأى كثيرا من الحوادث التي وردت في كتابه. وهو بعد ذلك يملك القدرة على مناقشة مصادره وإعطاء كل منها ما يستحق من أهميته، كما أنه قد خلا من كل تحزب. وهو في كتابه يتتبع خطى الزمن ولكنه كثير الاستطراد إلى مسائل تتعلق باشتقاق الأسماء والألفاظ وبمناقشة التواريخ وبالمسائل الفلسفية، ثم إنه كثيرا ما يقف ليحاج سابقيه محاجات طويلة.

وأما عن قيمة كتابه الأدبية فضعيفة كما قلنا، وذلك لبرودة قصصه وخلوه من كل تلوين، ثم لثقل أسلوبه وتعثره وغموضه لكثرة الاصطلاحات الفنية والألفاظ المجردة. وليس هذا لعدم حرصه على فن الكتابة - فأسلوبه لا يخلو من عناية متكلفة - بل لأنه لم يكن يملك هبة الأسلوب ذاتها. (ه) بلوتارك

ويمضي قرنان آخران قبل أن يظهر بلوتارك، الذي يعتبر آخر مؤرخ إغريقي كبير.

ولد بلوتارك في مقاطعة بيوشيا سنة 46 بعد الميلاد وعاش حتى سنة 120 بعد الميلاد، وهو لم يكتب في التاريخ فحسب، بل وفي الفلسفة التي كتب فيها عدة كتب.

تربى بلوتارك في أسرته حيث أشرف أبوه وجده على تعليمه، ثم قام بعدة رحلات إلى أثينا وروما، وألقى بالمدينتين عدة محاضرات عامة باليونانية وباللاتينية فلقي نجاحا عظيما، وأخيرا عاد إلى مسقط رأسه حيث مضى الجانب الأكبر من حياته موزع الجهد بين حياته الخاصة كرب أسرة، وبين مهامه كأديب ومؤرخ وفيلسوف بل وعمدة لمدينته.

لقد كان بلوتارك رجلا شريفا وديعا هادئا سمح الخلق، شديد التعلق بدينه الإغريقي، وبخاصة بعبادة أبولون الدلفي حيث كان يقوم ببعض أعمال الكهنوت. وكان إلى جانب هذا رجلا متفتح النفس للمعرفة والبحث عن الحقائق، فدرس كافة العلوم التي كانت معروفة في عصره، وبخاصة التاريخ والفلسفة الأخلاقية.

ولقد ألف بلوتارك في الفلسفة الأخلاقية عدة كتب نذكر منها: «مهلة القضاء الإلهي» وفيه يعالج مشكلة القدر، و«كتاب الحب» وهو دفاع عن الحب الشرعي، و«عزاء لزوجته عند وفاة بنتها»، و«كيف نقرأ الشعراء»، و«التطير»، و«الزواج»، و«النبل»، و«صمت العرافات»، و«إزيس وأوزيريس» وفيه يتحدث عن الميثولوجيا بوجه عام، و«كيف ننصت»، و«كيف نميز الصديق الحق من المتملق»، و«كيف نمدح أنفسنا دون أن نجرح غيرنا»، و«عن كثرة الأصدقاء»، و«عن فائدة الأعداء»، و«عن الصحة»، و«عن الثرثرة»، و«عن شيطان سقراط»، و«عن الموسيقى»، و«أحاديث المائدة» ... إلخ.

وهو يعلن عن أخذه بمذهب أفلاطون، ولكنه في الحقيقة قد أخذ عن جميع المذاهب، كما حاول أن يوفق بين الميثولوجيا وفلسفة أفلاطون. وهو يقول بوجود إله واحد مسيطر ومن دونه آلهة ثانوية تقوم على أمور البشر، وهي آلهة خيرة وشريرة، تعيش عدة قرون، وتسرف على التطير والعرافة.

فلسفة بلوتارك في الواقع ضعيفة الأصالة، وهي ليست سبب مجده، وإنما اشتهر بلوتارك وظل يقرأ طوال القرون الماضية حتى يومنا هذا من حيث هو مؤرخ كتب كتابا كان له ولا يزال أكبر الأثر في الكتاب في مختلف الأجيال، ونعني بذلك كتابه المسمى «الحيوات المتوازية»، وفيه يورد أربعا وأربعين حياة كل حياة لكبير من كبراء الإغريق مقارنة بكبير من كبراء الرومان: تيموستكليس وكاميل، ليساندروس وسيلا، الإسكندر ويوليوس قيصر، أجيسيلاس وبومبيوس، ديموستين وشيشرون، ألسبيادس وكوريولانوس ... إلخ.

كتابه - إذن - عن حياة العظماء اليونان والرومان، وقد آخى وقارن في كل فصل بين اثنين من هؤلاء العظماء: قائد مع قائد، وخطيب مع خطيب، وإمبراطور مع إمبراطور، وهكذا. ولقد قرأ بلوتارك الكثير من الكتب التي ألفها سابقوه، ولهذا جاء كتابه غنيا بالمعلومات التاريخية الهامة؛ ولكنه كان رجلا جماعا حظه من النقد قليل، وأثر السرعة وعدم التمهل واضح في كتابه، وهو أقل حرصا على الحقيقة العارية منه على مغزى الوقائع ودروسها الأخلاقية؛ ومن ثم تراه يسوق الكثير من القصص لمجرد جمالها. وهو - وإن حاول ألا يتحيز - لا يخلو من ميل إلى الإغريق.

Shafi da ba'a sani ba