178

Labarin Adabi a Duniya (Sashi na Farko)

قصة الأدب في العالم (الجزء الأول)

Nau'ikan

166

وبلوتس

167

بل إن بعض رواياتهما ليست إلا ترجمة عن الشاعر الإغريقي.

ولد مناندر بأثينا سنة 340ق.م. ودرس بنوع خاص يوربيد، وتعرف فيما يقولون بأبيقور، وقدم أول رواية له سنة 322ق.م. أي بعد موت الإسكندر بعامين. والظاهر أن الحوادث المؤلمة التي اجتاحت بلاد الإغريق في ذلك الحين لم تؤثر كثيرا في شاعرنا الأبيقوري المستهتر، إذ أولع بإحدى الفتيات وعاش معها في بيريه ميناء أثينا، وعبثا حاول بطليموس سوتير أن يغريه بالمجيء إلى مصر.

ولقد جعل كل همه كتابة الكوميديات حتى أنهم ليقولون إنه قد كتب مائة كوميديا خلال ثلاثين عاما وكانت وفاته سنة 292ق.م. بعد أن نال الجائزة في ثمان مسابقات.

ولقد كنا لا نملك مما كتب مناندر إلا فقرات صغيرة ولكنها غنية بمعانيها حتى كانت سنة 1907م فاكتشفت بمصر أوراق بردي عليها أجزاء طويلة من ست روايات لذلك الشاعر العظيم وهي الحارث، المتملق، البطل، التحكيم، السامية (نسبة إلى ساموس)، المرأة المقصوصة الشعر.

وأطول قطعة وصلتنا تبلغ خمسمائة بيت وهي من رواية «التحكيم» وهي تمكننا من استقراء خصائص الشاعر ومواضع قوته، من غريزة تمثيلية قوية، إلى مقدرة على وصف الحالات الأخلاقية، إلى تملك لوسائل الإثارة العاطفية، مجتمعة مع المهارة في تحريك الضحك، وأخيرا نلمح في تلك القطعة اتجاهه نحو المزج بين معارك الشهوات ومبادئ الأخلاق وإضاءة أحدهما الآخر.

وثمة خاصية أخرى امتدحها جميع النقاد القدماء عند هذا الشاعر وهي تفوقه في القصص وفي خطب الدفاع، ولدينا فصل من فصول «التحكيم» يؤيد ما ذهب إليه هؤلاء النقاد، وهو يعرض عبدين أحدهما راع والآخر فحام، يحتكمان إلى حكم وذلك أن الراعي كان قد عثر بطفل أعطاه للفحام، ولكنه احتفظ بما كان على الطفل من حلي دليلا على أنه هو الذي عثر على الطفل وأعطاه للفحام، ويأبى الفحام إلا أن يطالب بالحلي. وأخيرا يحتكمان إلى حكم كما قلنا، ويعرض كل منهما وجهة نظره ويدافع عنها دفاعا قويا. وموضع قدرة الشاعر في هذين الدفاعين هو في الكيفية التي استطاع بها أن يظهرنا على خلق كل من الرجلين بنوع دفاعه وطبيعة الحجج التي يدلي بها. وما ننتهي من قراءة الدفاعين حتى نحس أننا أمام رجلين من أبناء الشعب وأن لكل من الرجلين صفاته، فالفحام رجل أثر، به جشع مادي ولكنه مخلص مؤمن بحقه. والراعي رجل كريم خيالي مثالي في سذاجة، وما نظن أن تلك القدرة العجيبة على تصوير الشخصيات بخطب يقولونها قد استطاعها عدد كبير من شعراء الإنسانية وكتابها.

هذه هي التخطيطات العامة للكوميديا الإغريقية، نخلص منها بأن هذا الفن قد نشأ كما نشأت كافة الفنون الأدبية عند الإغريق نشأة شعبية، حتى إذا توفر عليه الشعراء أصبح فنا أدبيا. ولقد كان في أول أمره مختلطا بالأساطير والعبادات ولكنه لم يلبث أن تخلص منها ليصبح نقدا سياسيا وشخصيا، نقدا يقصد منه إلى مهاجمة الواقع وتغييره والدعوة إلى ما يخالفه. وهذه هي الكوميديا القديمة، وبتراخي الزمن وتغير الحالة السياسية والعقلية في أثينا بسبب الهزيمة التي لحقت بتلك المدينة العريقة في حرب بلبونيزيا ثم سقوطها في يد المقدونيين، تغير منحى الكوميديا، ولعله قد حد من حريتها فلم تعد تنقد الواقع وتريد تغييره، ولم تعد تهاجم الشخصيات البارزة وتعمل على هدمها، بل أصبحت تكتفي بتصوير ذلك الواقع كما هو ، وقد عدلت عن التجريح إلى تصوير حالات خلقية أو شخصيات روائية. وهذه هي الكوميديا الحديثة التي لم تكن الكوميديا المتوسطة إلا تمهيدا لها. وكانت الروح الفلسفية قد أخذت تنمو أيام الكوميديا الحديثة، ولهذا جاءت ملاحظات كتابها النفسية أنفذ وأعمق، وإن تكن روح الضحك الصراح قد ضعفت كما ضعفت جرأة الشعراء وقوة نفوسهم وحرصهم على خير مدينتهم. ومن المعلوم أن الكوميديا من بين فنون الأدب فن يمكن أن يوضع في خدمة الحياة الأخلاقية والاجتماعية للدول دون أن يفقد شيئا من قيمته.

Shafi da ba'a sani ba