X
وتزينت بجميع حلي والدتها الماسية التي لم يرهنها والدها في بنك الرهونات، فكانت تبرق وتتلألأ في أصابعها وعنقها وأذنيها، ولم يستطع أليكسي معرفة صديقته أكولينا بهذه الفتاة اللماعة المضحكة في شكلها وزيها، فصافحها والده وحذا هو حذوها وظهر له أن أصابعها كانت ترتعش في يده، ثم جعل ينظر إليها من رأسها حتى أخمص قدميها فلم يعرفها، أما والدها فإنه ذكر وعده لها وحاول التظاهر بعدم الاهتمام والدهشة، وأما دهشة مس جاكسون فكانت عظيمة لأنها علمت في هذه الساعة أن ليزا سرقت من درج خزانتها كل شيء: صبغة الحاجبين وسوالف الشعر.
جلس الجميع على المائدة وواصل أليكسي تمثيل دور المشتت الفكر، العديم الاهتمام بما حوله، وأما ليزا فإنها أخذت في الغنج والدلال وجعلت تتكلم من بين أسنانها باللغة الفرنسية فقط، وكان أبوها لا يحول نظره عنها دون أن يفهم غرضها من هذا التصنع الغريب المضحك، وأما الإنكليزية فكانت في شدة الغيظ والحنق، ولكنها لم تنبس ببنت شفة، أما بيريستوف الكبير فكان كأنه في منزله وأكل نصيب اثنين وشرب حتى طفح، وكان يتكلم ويضحك ويقهقه.
وأخيرا نهضوا عن المائدة وسافر الضيفان، وأطلق والد ليزا العنان لنفسه بالضحك وأمطر على ابنته وابلا من الأسئلة عما حملها على الظهور بهذا المظهر، وقال لها: ألعلك أردت أن تختلي الضيفين؟ وكانت هي ترقص طربا لنجاح ما ابتكرته، ثم عانقت والدها وهرولت مسرعة لتستعطف مس جاكسون وتسترحمها؛ لأنها كانت في حالة غضب شديد، ولم تشأ أن تفتح لها باب غرفتها لتسمع إيضاحاتها، وأخيرا تم الصلح بينهما، وأهدتها مس جاكسون حقا من الطلاء الأبيض الإنكليزي؛ إعرابا عن رضائها عنها.
وأظن أن القارئ يدرك أن ليزا بادرت في اليوم التالي إلى غابة المقابلات، ولما وقعت عينها على أليكسي قالت له: إنك كنت أيها السيد أمس عند سيد قريتنا. وكيف رأيت فتاته الحسناء؟ فأجابها بقوله: إنه لم يلحظها ولم يلتفت إليها، فقالت له: إني آسفة جد الأسف. فسألها عن سبب أسفها، فأجابته: كنت أريد أن أسألك على صحة ما يقولون أني أشبهها تمام الشبه. فأجابها: إنها بالنسبة إليك تعد شوهاء.
فقالت له: حرام عليك تقول ذلك؛ لأن سيدتنا بضة بيضاء، وأنى لي أن أقارنها بجمالها الفتان! فجعل يقسم لها بأنها أجمل منها بما لا يقاس، ولكي يجعلها تطمئن أخذ يصف لها ابنة مورومسكي وملامحها المضحكة، فقهقهت ليزا بكل قوتها، وقالت: ولو أن سيدتنا مضحكة كما تقول فإني بالنسبة إليها حمقاء جاهلة أمية. فقال لها معزيا: إني أعلمك القراءة بسرعة رائدة. فأظهرت الفتاة ارتياحها، ثم جلسا وأخرج أليكسي من جيبه قلم رصاص ودفترا وكتب على صفحة منه الحروف الهجائية، فتعلمتها ليزا بسرعة أدهشت الشاب، وفي اليوم التالي حاولت الكتابة أمامه فلم يطاوعها قلم الرصاص أولا، ولكنها بعد عدة دقائق كتبت الحروف جميعها وقرأتها، فقال أليكسي مندهشا: إن درسنا ناجح جدا، وأسرع من طريقة لانكاستير، وفي الحقيقة فإنه بعد الدرس الثالث جعلت أكولينا تقرأ الجمل الصغيرة من رواية كانت مع معلمها.
وبعد أسبوع أخذا يكاتبان بعضهما، وجعلا إدارة البريد عند شجرة سنديان قديمة العهد، وقامت الوصيفة ناستيا بوظيفة موزع الرسائل، وكان أليكسي يسلمها رسائله عند الشجرة وهي مكتوبة بخط ثلث واضح ويستلم منها رسائل حبيبته المكتوبة بخط رديء كخط الفتيات والصبيان المبتدئين بتعلم القراءة وهي مكتوبة على ورق أزرق بسيط.
ومع الوقت تحسن خط أكولينا وارتقت عبارة كتابتها، وفي نفس هذا الوقت ازدادت صداقة بيريستوف ومورومسكي وثوقا وأصبحا صديقين حميمين، وفكر الأخير هذا بأنه بعد وفاة بيريستوف سيرث ابنه أليكسي أملاكه ويصبح أكبر وأغنى مزارع في تلك الولاية، ولا يوجد شيء يحول بينه وبين الزواج بكريمته ليزا، وبيريستوف مع انتقاده لتكلنز جاره يرى فيه بعض الصفات الطيبة. وكان مورومسكي من أقرباء الغراف برونسكي، وهو رجل نبيل وذو نفوذ عظيم، فقال بيريستوف في نفسه: لا ريب أن الغراف ينفع أليكسي منفعة محسوسة، ثم إن مورومسكي يرضى بسرور وارتياح إعطاء ابنته لأليكسي. كان كل من الشيخين يفكر بهذا منفردا، وأخيرا تحدثا به وتعانقا وأخذ كل منهما يعد العدة إلى تنفيذه، ووجد مورومسكي صعوبة بمفاتحة ابنته بهذا الشأن وإقناعها بالزواج من أليكسي الذي لم تره بعد أن تناول الطعام على مائدة والدها، وزعم أنهما لم يتحابا ولا أعجب الواحد الآخر، ومن جهة أخرى كلما كان بيريستوف يزور والدها تختفي في غرفتها، وزعم أنه لو زارهما أليكسي كل يوم لألفته ابنته وأحبته مع مرور الوقت.
وكان بيريستوف أقل اضطرابا بنجاح مقاصده ودعا في ذلك المساء ابنه إلى مكتبه، وبعد أن أشعل غليونه وتلذذ بالتدخين قال له: أراك يا أليكسي من زمن بعيد سكت عن خدمة الجندية، وهل أن رداء الفرسان غدا لا يغويك؟
فأجاب أليكسي والده باحترام بقوله: كلا يا والدي! فقد رأيت أن رداء الهوسار لا يعجبك وواجبي يقضي علي بطاعة والدي. - حسنا جدا، وأرى أنك ابن بار طائع، وذلك أكبر سلوى لي في شيخوختي، وإني لا أقف حائلا بينك وبين حرية الإرادة، ولكني أريد تزويجك. - بمن يا أبي؟ أجابه أليكسي وهو مندهش. - بليزا كريمة جارنا مورومسكي الفتاة الحسناء. - إني يا أبي لم أفكر للآن بالزواج. - إنك لم تفكر ولكني فكرت عنك، وصحت عزيمتي على ذلك. - الأمر أمرك يا والدي، ولكن ليزا مورومسكي لم تعجبني ولم تصادف هوى في نفسي. - ستعجبك فيما بعد والصبر مفتاح الفرج. - أشعر بنفسي أنني لست جديرا بجعلها سعيدة. - إن سعادتها ليست حزنا لك، وعلى كل حال احترم طاعة والدك، وانزل على إرادته ففي ذلك نفعك. - قل ما تريد، إني لا أريد الزواج. - يجب عليك أن تتزوج وإلا فإني ألعنك، وأما أملاكي فالله القدوس يعلم أني أبيعها وأبدد أثمانها ولا أترك لك وسادة، وإني أمهلك ثلاثة أيام للتروي والتفكير وقبل هذا لا تريني وجهك.
Shafi da ba'a sani ba