وتقززت أنا وودت لو طردتها، ولكن الآلام ترهقها الآن، ولا تسكت عنها، فانطوت على نفسها وهي تئن، واشتدت قبضة يدها على عجلة العربة، وارتعدت ركبتاها فجأة، وأحست كأن ساقيها تنزعان من الفخذين.
وتلا تلك الهزة إحساس بالانتعاش، وغمرت النشوة قلبها وأشاعت البريق في عينيها المليئتين بالدموع، وتخلت عن عجلة العربة ومسحت التراب الذي كان لا يزال عالقا براحة يدها اليسرى.
وعندما نهضت على ركبتيها كانت عيناها مضطربتين محاطتين بهالات سوداء، وبيديها المرتعدتين الهزيلتين انحنت؛ لتأخذ الطفل الذي كان يرفس بساقيه في القش.
وكانت شذرات من القش والتراب قد لصقت بلحم الطفل الأحمر، فنهضت الأم ورفعت الطفل إلى السماء وهزته عدة مرات، فانطلقت منه صيحة، وفي لهفة أدنت أنا الطفل من ثديها وقبلت رأسه.
وانتزعت القش ومسحت التراب عن الطفل، وخلعت مريلتها وطوتها وجعلت منها لفة للطفل، ثم وضعته بسرعة في العربة التي مدت فوقها الحصيرة لتظللها.
ثم أصلحت ملابسها واتجهت نحو زوجها؛ لتواصل العمل إلى جواره وكأن شيئا لم يحدث.
كان بيتر ماجون يسبح في العرق، وكأنه خارج من الاستحمام في النهر، ومن خلفه عشرات من حزم القمح ملقاة على غير نظام، وقد أصبح الجو خانقا، واتخذت الأرض لونا بنفسجيا، وكأن حريقا قد شب في سهل براجان.
واقتربت أنا من بيتر، ولكنه ظل منهمكا في عمله، وظلت واقفة منتصبة، والمنجل في يدها تنتظر أن يتكلم، وماجون يستمر في الحصد متحمسا بلا هوادة، وبضربة قوية يقصف أعواد القمح المنحنية على شبا منجله.
وقالت له أنا: «بيتر أنصت إلي ... بيتر ... لقد وضعت.»
ودون أن ينهض أدار ماجون عينيه نحوها.
Shafi da ba'a sani ba