وتستمر الدائرة إلى ما لا نهاية.
لذا يصعب علينا يا سيدي الطائر أن نخرج من الصندوق مهما حاولنا. التفكير المجرد أكذوبة أخرى تعزي بها نفسك وتضللها؛ الإنسان كائن عاطفي بطبعه، تقوده مشاعره وتوجهه إنحيازاته المعرفية طيلة الوقت، ويظن واهما أنه يمارس النقد والتفكير الحر، نعتنق النتيجة أولا ثم نبررها عقليا، لا العكس، ننسى أننا نؤمن بما نؤمن به لأننا نريد أن نؤمن به، وليس لكونه سدرة منتهى البحث والتفكر.
تكمن المعضلة في عقولنا ذاتها؛ فهي الجرثومة وأساس البلاء، والمشكلة لن تكون جزءا من الحل، وإذ لا قيمة للعقل إلا في الشك، فالشك أساس كل شيء، حتى الشك في العقل ذاته.
أخطأ ديكارت عندما أقر التفكير كبرهان للوجود، فقال «أنا أفكر إذن أنا موجود.» الأكثر صحة وأشد قربا للواقع «أنا أشك إذن أنا موجود.» الشك هو القيمة الأكثر أصالة في الوجود العقلي.
من يضمن لك أنك موجود الآن في هذه اللحظة؟!
لا شيء سوى الملاحظة العقلية، لكن، أليس العقل ذاته ناتج عن ملايين العمليات الصدفوية العشوائية منذ بدء الخليقة؟ كيف نتخذه مقياسا؟ كيف نثق في عقولنا وهي وليدة العشوائية؟!
هذه هي محصلة الأمر، لا توجد ضمانات.
إذا لم تشك في اتزانك العقلي كل حين وآخر فأنت - على الأرجح - لا تفكر.
لا توجد حقيقة مطلقة سوى الموت، التخفف من كل هذا العبء ميزة لا ينالها إلا الأذكياء، فما الوجود إلا إدراكنا الذاتي اللحظي بوجودنا، وخلافه تهيؤات وضلالات.
الانتحار هو الحالة الإنسانية الأسمى، التي يصلها الأنقياء حقا.
Shafi da ba'a sani ba