وانقسمت المدينة حزبين: حزب الفقراء النصارى وهم يؤيدون جرجي، وحزب الأغنياء والموظفين والكهنة وهم يطلبون قتل جرجي بلا محاباة لأنه قد كفر بدين الآباء وحرض الفقراء على العصيان واغتصاب أموال الأغنياء.
وكان جرجي وحيد أبيه، وكان أبوه رجلا مستنيرا قد قرأ بعض الكتب الإغريقية، ففتقت ذهنه وصبغت مزاجه وعقله بصبغة التساهل والتفكير الحر، فلم يكن يبالي بإيمان الناس ويعتقد أن الإيمان يفيد العامة والرعاع ويزعهم عن ارتكاب الموبقات كائنا ما كان هذا الإيمان وثنيا أم مسيحيا.
فلما أحرج علي محاكمة ابنه لم يجد بدا من هذه المحاكمة، ولكنه أراد أن يبرئه فعقد المحاكمة وقضى بأن جرجي قد كفر بديانة الآباء، ولكنه لم يحكم بقتله لهذا السبب بل خيره في أن يأتي بمعجزة إن كان دينه صادقا.
وكان خارج المحكمة زير كبير قد حفر له في الأرض ووضع فيها إلى نصفه، فقال القاضي: «سنملأ هذا الزير ماء فإذا كان دينك الجديد حقا فنحن نتركك يوما كاملا مع هذا الزير فإذا نزحته دون أن تعتمد على كوز أو أي شيء آخر فإننا نؤمن بإلهك ونترك أوثاننا».
وكان المسيحيون مشهورين في ذلك الوقت بقوة الإيمان، وكانوا يقولون بأن الإيمان إذا كان خالصا لا شائبة فيه يزحزح الجبال.
وفرح الأغنياء لهذا الحكم ورأوا أنه بمثابة القتل؛ لأن المعجزات والكرامات لا تحصل للناس في ضوء النهار، وكان أكثرهم تأكدا من ذلك هم الكهنة.
ولكن جرجي كان قوي الإيمان فقبل وقت المحاكمة هذا الشرط، ورضي أن يقتل إذا لم يقم به.
وجاء يوم المحنة فخرج الحرس وساقوا جرجي مغلولا إلى جانب الزير، ووقفوا هم بعيدا عنه، واجتمع إليهم كثير من المسحيين والوثنيين وكلهم بين الرجاء والخوف وان اختلفت نياتهم.
ونظر جرجي إلى الزير فدب في قلبه الشك، فقد كان ضخما كبير البطن ثابتا في الأرض إلى نصفه.
وكان قد أقيم بين المتهم والحرس والجمهور حاجز يخفيه عنهم، وكانوا جميعا ينتظرون آخر النهار لكي يروا هل تتم الكرامة أو لا.
Shafi da ba'a sani ba