Labaran Wasu Daga Cikin Shahararrun Marubutan Yamma
قصص عن جماعة من مشاهير كتاب الغرب
Nau'ikan
وهنا خطر بباله اسم باريز السحري، وكأن شفتيه قد نادتها! لم يفكر في باريز منذ عشر سنوات عندما نفض عن نفسه غبار ذكرياتها القاتمة، بعد أن هاجر من مونمارتر.
ولكن الآن وقد أخذت الذكريات تسرع في العودة إليه وكأنها شبح هائل قد استيقظ من نومه، وبدأ يسر إليه بكل الأفكار الجنونية، طرق النزهة المضاءة ليلا بأنوار الكهرباء، وصوت الموسيقى وهي تعزف في المطاعم، والشراب المريء، والتنزه داخل العربة في غابة بولونيا عندما يطل القمر من سمائه والنجوم من عليائها، وإلى جانب المرء امرأة يلذ له أن يشم رائحة مساحيقها وسوائلها المبردة، امرأة! إيه لقد كن كثيرات، غير أن وجها واحدا هو الذي عاد إلى ذاكرته وهو مرتكز إلى الحائط يحدق في شجرة أمامه.
وجه جميل، تضيئه الحياة كما يسطع النور من خلال المصباح الياباني الورقي الملون، بفم صغير وشعر لامع حالك السواد.
وقد ظن أنه نسي اسمها، ولكن عندما حدق بقلبه في شكلها تحرك اسمها من قبور النسيان وعاد إلى الحياة ثانية.
وقد ناداه بصوت عال، حملت رياح ديسمبر الباردة صداه ورددته مصحوبا بأنة سخرية: مرجوت.
وفي اليوم الثاني وجد نفسه في باريز، وكان ذلك في مساء ليلة عيد الميلاد، وعندما درجت به السيارة من محطة الشمال وجد الحال كما كان، كانت هناك سلسلة طويلة من الأنوار الذهبية المتلألئة، والضحكات تتعالى، والبشر يعلو الوجوه، وكانت الموائد في خارج المطاعم ممتلئة كلها بالفرنسيين الملتحين السعداء، وبينهم المرأة منتثرة هنا وهناك كالزهرة، وكانت الإعلانات الكهربائية تظهر في أعلى المباني بألوانها المختلفة، وفوق كل ذلك كانت هناك رائحة باريس السحرية، تلك الرائحة التي لا يمكن تعريفها أو إدراك كنهها، وقد ملك عليه ذلك حواسه؛ فانصرمت عنه السنوات العشر التي قضاها بعيدا وحيدا، وكأنها لم تكن، وقد كاد يرقص طربا وهو في السيارة تدرج به من ناحية الإليسيه حيث يوجد الفندق.
وفي المنتزه الواسع، الذي كان ممتلئا بالنساء، وكأنهن طيور من الجنة، وكنت تسمع فيه حديث طائفة من النمسويين، وجد أنه ليس بين وسط باريس! فهذه ليست باريس التي عرفها، باريس التي كان يمكن للإنسان فيها أن يحب ويعيش كالملوك ببضع سنتيمات.
ولكن بعد أن استحم وانتعش جسمه، ظهرت له كأنها امرأة فاتنة يرغب فيها، وكأنها طوقت عنقه بذراعيها، فخرج ثانية إلى الليل، الليل وهو في باريز أكثر إشراقا من النهار، ونادى عربة سارت به إلى «الرستوران بلان» بشارع بيجال؛ فقد حدث له أنه هناك، وقد انتقى هذا المطعم من بين كل المطاعم التي كان يتناول فيها طعامه في وقت ما أو بين آونة وأخرى. كان معتادا أن يتناول طعام العشاء في ليلة عيد الميلاد، حقا إن هذا المطعم لم يكن على جانب من الأبهة، وكان يؤمه متوسطو الحال فقط، ولكن على كل حال هنا قد تناول طعام العشاء مرارا مع مرجوت، وفي ليلة عيد الميلاد - ولكم أسرعت الذكريات في العودة! - كانت تلبس رداء أحمر، وعندما خلعت عنها رداءها الخارجي تمايلت أمامه كالزهرة. ماذا حدث لمارجوت الصغيرة؟ لقد أحبته جد الحب، ولقد تفارقا على أحسن ما يتفارق الأصدقاء عندما راقت له الحياة الجديدة، لقد صاحت وبكت على كتفه، وتركت بقعة بيضاء كبيرة من مساحيق وجهها على هندامه، ولما كانت الدموع تجول في عينيه فقد وعدها ألا يغفل تناول طعام العشاء معها ليلة عيد الميلاد المقبل.
وقالت وقد رفعت وجها مندى إلى شفتيه: لن تغفل الحضور؟
فقال بهدوء وهو يرجو أن يلحق القطار: لن أغفل.
Shafi da ba'a sani ba