القول الأول والثاني
للإمام الشهيد زيد بن علي (ع)
القول الأول والثاني
للإمام الشهيد زيد بن علي
المتوفى سنة 122ه
(دراسة فقهية مقارنة)
جمعه
عبدالكريم محمد عبد الله الوظاف
مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
« فاعلم يرحمك الله تعالى أن أهل بيتي فيهم المصيب وفيهم المخطئ، غير أنه لا تكون هداة الأمة إلا منهم، فلا يصرفك عنهم الجاهلون، ولا يزهدك فيهم الذي لا يعلمون، وإذا رأيت الرجل منصرفا عن هدينا، زاهدا في علمنا، راغبا عن مودتنا، فقد ضل ولا شك عن الحق، وهو من المبطلين الضالين، وإذا ضل الناس عن الحق، لم تكن الهداة إلا منا، فهذا قولي يرحمك الله تعالى في أهل بيتي»
الإمام الشهيد زيد بن علي (الرسالة المدنية)
Shafi 1
(مجموع كتاب ورسائل الإمام زيد)
مقدمة
الحمد لله الذي خلقنا مسلمين، وجعلنا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وجعل لنا السمع والأبصار والأفئدة؛ وميزنا عن بقية المخلوقات.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمد بن عبد الله رسول الله إلى الناس جميعا، وأنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين صلى الله عليه وسلم.
تواصلا لما بدأناه في السلسلة؛ والموسومة ب"سلسة أقوال أئمة الزيدية"؛ فهاهنا الجزء الثالث منها، وعنوانه "القول الأول والثاني للإمام الشهيد زيد بن علي"؛ والذي يحاول استيعاب المسائل التي ورد في شأنها قولين للإمام الشهيد زيد بن علي إمام الزيدية.
Shafi 2
ولابد من التوضيح بأن هذا السفر ليس كالسفرين السابقين في الحجم، وإن كان هو المتربع على هذه السلسلة من حيث أنه كان يفترض أن يكون هو الجزء الأول، ولكن الفكرة التي تكونت في شأن السلسلة؛ كانت قد استقرت بعد الانتهاء من السفر الأول والذي بعنوان "القول الأول والثاني للإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين"، ولم يكن في الحسبان خصوصا بالنسبة لي أن يكون هناك قولين للإمام الهادي، ومثله الإمام القاسم؛ ناهيك عن الإمام زيد.
وتبعا للمنهجية العلمية؛ فسيتم الاعتماد على (مجموع الإمام زيد) للإمام الشهيد زيد بن علي ذاته، وما قام العلامة السياغي بشرحه في السفر العظيم (الروض النضير)، وكذلك من قام بنقل أقوال الإمام الشهيد زيد بن علي كالإمام يحيى بن حمزة والإمام أحمد بن يحيى بن المرتضى وغيرهما.
المنهج العلمي
اعتمدت في هذا البحث وفي السلسلة على المنهجية الآتية:
عزو الآيات القرآنية إلى اسم السورة، ورقم الآية.
تخريج الأحاديث النبوية مما تيسر من كتب الآل، والأمهات من كتب السنة في الحديث.
قارنت المسائل التي ثبت عندي أن فيها قولين بما أخذ بها أئمة المذهب الزيدي، والمذاهب الأربعة، والإمامية والأباضية، والظاهرية.
Shafi 3
خطة البحث
ستكون خطة البحث-إن شاء الله- مكونة من مبحث تمهيدي وثلاثة فصول كالآتي:
المبحث التمهيدي: ترجمة مختصرة للإمام الشهيد زيد بن علي.
الفصل الأول: القول الأول والثاني للإمام الشهيد زيد بن علي في العبادات والكفارات.
الفصل الثاني: القول الأول والثاني للإمام الشهيد زيد بن علي في الذبائح والصيد.
الفصل الثالث: القول الأول والثاني للإمام الشهيد زيد بن علي في المعاملات المالية والأحوال الشخصية، والحدود.
الفهارس: والتي ستحتوي على:
- فهرس المراجع.
- فهرس المواضيع.
وفي الأخير أسأل الله التوفيق وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم.
والحمد لله رب العالمين،،،
عبدالكريم محمد عبد الله الوظاف
صنعاء بتاريخ الخامس عشر من شهر رمضان 1428ه المبحث التمهيدي
Shafi 4
ترجمة مختصرة للإمام الشهيد زيد بن علي
ترجمة الإمام الشهيد زيد بن علي ستكون في أربعة مطالب كما يأتي:
المطلب الأول: اسمه ونسبه.
المطلب الثاني: حياته.
المطلب الثالث: مؤلفاته.
المطلب الرابع: استشهاده.
Shafi 5
المبحث التمهيدي ترجمة مختصرة للإمام الشهيد زيد بن علي
المطلب الأول: اسمه ونسبه:
هو الإمام فاتح باب الجهاد والاجتهاد، الغاضب لله في الأرض، ومقيم أحكام السنة والفرض، أبو الحسين زيد بن الإمام علي سيد العابدين بن الإمام الحسين السبط ابن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب.
المطلب الثاني: حياته:
ولد الإمام الشهيد زيد بن علي سنة 75ه على أصح الأقوال، وهو أخو الإمام الباقر، وشيخ الإمام أبي حنيفة النعمان؛ إمام الأحناف، وكان الإمام زيد أبيض اللون، مقرون الحاجبين، تام الخلق، طويل القامة، كث اللحية، عريض الصدر، أقنى الأنف، أسود الرأس واللحية، إلا أن الشيب خالط في عارضيه، وكان يشبه بأمير المؤمنين في الفصاحة والبلاغة والبراعة.
قال الإمام الهادي: ومما روى الحسين بن علي بن أبي طالب؛ قال: أخبرني أبي، قال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه سيخرج مني رجل يقال له زيد، فينتهب ملك السلطان؛ فيقتل، ثم يصعد بروحه إلى السماء الدنيا، فيقول له النبيون: جزى الله نبيك عنا أفضل الجزاء، كما شهد لنا بالبلاغ، وأقول أنا: أقررت عيني يا بني وأديت عني).
وخطب أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب على منبر الكوفة، فذكر أشياء وفتنا، حتى قال: (ثم يملك هشام تسع عشرة سنة، وتواريه أرض رصافة، رصفت عليه النار، مالي ولهشام جبار عنيد، قاتل ولدي الطيب المطيب، لا تأخذه رأفة ولا رحمة، يصلب ولدي بكناسة الكوفة في الذروة الكبرى من الدرجات العلى. فإن يقتل زيد؛ فعلى سنة أبيه).
وقد خرج الإمام زيد بن علي على ظلم بني أمية؛ ثم تخلى عنه معظم الجيش بحجة أن عليه أن يسب أميري المؤمنين أبي بكر وعمر، ولكنه رفض، وسماهم الرافضة.
Shafi 6
المطلب الثالث: مؤلفاته:
وله تصانيف كثيرة ، ومنها:
كتاب الاحتجاج في القلة والكثرة.
كتاب الإيمان.
كتاب الخطب والتوحيد.
كتاب الرد على المرجئة.
كتاب الرسالة في إثبات الوصية.
كتاب الصفوة.
كتاب المناظرات.
كتاب المواعظ والحكم.
كتاب تثبيت الإمامة.
كتاب تفسير القرآن.
Shafi 7
كتاب تفسير آية الفاتحة.
كتاب غرائب معاني القرآن.
كتاب فضائل أمير المؤمنين.
المجموعان الحديثي والفقهي.
المطلب الرابع: استشهاده
بعد أن تفرقت عنه الرافضة، وبقي من جيشه ثلاثمائة ويضع عشرة؛ تتابعت الحرب؛ فرمي الإمام زيد في جبينه ثم رجع أصحابه ودفنوه في مجرى ماء، وذلك في زمن هشام بن عبد الملك ، أحد ملوك الدولة الأموية، ليلة الجمعة لخمس بقين من محرم سنة 122ه، وله من العمر 46 سنة، وقال الواقدي: سنة 121ه، وقال ابن إسحاق: سنة 120ه.
وفي اليوم التالي لاستشهاده؛ صاح صائح من قبل هشام بن عبدالملك؛ يطلب من يدلهم على قبر الإمام؛ فدلهم غلام؛ فأخرجوه وصلبوه أربع سنين، وظهرت له كرامات؛ نذكر منها:
Shafi 8
حال قتله وصلبه وتحريقه؛ ظهرت رائحة المسك منه بعد صلبه، حتى قال رجل لآخر: أهكذا توجد رائحة المصلوبين؟ فسمعا هاتفا يقول: هكذا توجد رائحة أبناء النبيين، الذين يقضون بالحق وبه يعدلون، وقد سخر الله تعالى ما يمنع من كشف عورته عند صلبه، فنسجت عليه العنكبوت، فلما أزالوه استرخى من جسده من السرة إلى الركبة ما ستر جميع ذلك.
فاضطر قتلته إلى حرقه بالنار وذر رماده في البحر، رحمه الله تعالى.
قيل فيه:
لم يشفهم قتله حتى تعاوره ... قتل وصلب مع التحريق بالشرر
- أولاده:
الإمام يحيى وعيسى، ومحمد والحسين(1).
Shafi 9
الفصل الأول القول الأول والثاني للإمام الشهيد زيد بن علي في
العبادات والكفارات
أقوال الإمام زيد بن علي في هذا الفصل ستطرح في مبحثين كالآتي:
المبحث الأول: القول الأول والثاني في وطء الحائض قبل الاغتسال.
المبحث الثاني: القول الأول والثاني في توزيع الكفارة على العدد المحدد من المساكين.
Shafi 10
المبحث الأول وطء الحائض قبل الاغتسال
لا يجوز وطء الحائض في الفرج حتى تطهر. ولكن إن طهرت بأي وجه كان؛ فهل يجوز للرجل أن يأتيها قبل أن تغتسل؟
مذهب الإمام زيد؛ كما جاء في (الروض النضير) أنه لا يجوز للرجل أن يأتي امرأته الحائض قبل أن تغتسل من الحيض؛ فقال: "وقال زيد بن علي: لا يحل وطء الحائض حتى تغتسل؛ لقوله تعالى: ?فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله ? (1)"(2).
Shafi 11
وقال الشارح العلامة السياغي(1) فيما بعد:
Shafi 12
"وهذا الذي ذهب إليه الإمام
؛ قال به الهادي(1) والناصر(1)، والمؤيد بالله(2) وغيرهم"(1).
Shafi 13
وبمطالعة ما جاء في (البحر الزخار) نجد غير ما جاء في (الروض)؛ ففيه أن مذهب الإمام زيد هو جواز الوطء قبل الغسل؛ إن بلغت أكثر فترة الحيض وهي عشرة أيام؛ فقال: "وإذا انقطع؛ لم يحل من المحرمات قبل الغسل إلا الصوم إجماعا في غير الوطء
(ه ش ك): ويحرم الوطء؛ لقوله تعالى: ?فإذا تطهرن?، ولم يقل: طهرن ، وعن (ز(2) ح عي د): إن طهرت لعشر؛ جاز الوطء؛ لقوله تعالى: ?حتى يطهرن ?وكالجنابة"(3).
وقد جمع بين هاتين الروايتين؛ كتاب (الانتصار)؛ فقال: "وهل يجوز وطؤها قبل الاغتسال أم لا؟ فيه مذاهب ثلاثة: المذهب الأول: المنع من ذلك، وهذا هو رأي أئمة العترة الهادي والقاسم والناصر وزيد بن علي... المذهب الثاني: أنها إن طهرت لأكثر الحيض وهو عشر جاز وطؤها وإن لم تغتسل وإن طهرت لأقل من عشر لم يجز وطؤها حتى تغتسل أو تيمم إن لم تجد الماء وهذا هو قول زيد بن علي"(4).
ومن خلال ما سبق ذكره في الكتب الثلاثة؛ فأقوال إن للإمام زيد قولين في حكم وطء الحائض قبل الاغتسال، وهما كالآتي:
القول الأول: أنه يحرم على الرجل أن يأتي زوجته الحائض قبل أن تغتسل.
Shafi 15
وهذا اختيار المذهب، ومذهب الأئمة: الهادي والقاسم(1) ، والناصر والمؤيد بالله، وأبي طالب(1) ، ومذهب المالكية والشافعية، والحنابلة والأباضية، وخلاف المشهور من مذهب الإمامية(1).
وحجتهم:
قوله تعالى: ?ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن?؛ فجعل لحل الوطء والقرب غايتين:
Shafi 18
إحداهما: الطهر وهو النقاء بقوله: ?حتى يطهرن?. يقال: طهر من النجاسة يطهر إذا نقى.
وثانيتهما: التطهر بالماء بقوله تعالى: ?فإذا تطهرن? يقال: تطهر بالماء إذا اغتسل به.
فهذه القراءة مفيدة لهذين المعنيين المختلفين؛ فقد أفادت الطهر من الحيض والطهارة بالماء فيجب حملها عليهما.
والقراءة الثانية: بالتشديد في قوله: ?ولا تقربوهن حتى يطهرن?. وهي مفيدة للتطهير بالماء لأن المعنى ولا تقربوهن حتى يطهرن بالماء فإذا تطهرن بالماء فأتوهن، لكنا أخذنا اشتراط الطهر بالنقاء من دليل آخر ومن جهة أن الطهارة بالماء غير مفيدة حتى يحصل الطهر بالنقاء، فحصل من مجموع ما ذكرناه أن القراءتين متطابقتان على المنع من وطئها حتى تغتسل وهذا هو المطلوب(1).
القول الآخر: يجوز للرجل أن يأتي الحائض إذا طهرت لأكثر الحيض وهو عشرة أيام ولو لم تغتسل.
وهذا مذهب الأحناف والظاهرية، والمشهور في مذهب الإمامية مع الكراهة(2).
وحجتهم:
الحجة الأولى: قوله تعالى: ?نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم?(3)، ولم يفصل. وقوله تعالى: ?والذين هم لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم?(4) من غير فصل بين حالة وحالة.
Shafi 19
الحجة الثانية: لو كان ثم مانع عن وطئها لكان لأجل بقاء الاغتسال عليها وبقاء الاغتسال عليها لا يمنع من وطئها كما لو كانت جنبا.
الحجة الثالثة: أن تحريم وطئها؛ قد زال بدليل جواز الإحرام والصوم فوجب أن يزول التحريم(1).
الترجيح:
والذي أراه وأرجحه هو القول بعدم جواز وطء الحائض حتى تغتسل، وذلك للآتي:
أولا: لا يرتفع حكم الحيض إلا بالاغتسال.
ثانيا: قوله تعالى: ?ولا تقربوهن حتى يطهرن ?؛ سواء بقراءة التخفيف أو التشديد؛ يدعمها قوله تعالى في نفس الآية : ?فإذا تطهرن?؛ فهي تدل على وجوب الاغتسال(2).
ثالثا: القياس على جواز الصوم والإحرام للحائض قبل الاغتسال بعيد؛ إذ لازال حكم الحيض باقيا؛ وإلا لجاز لها أن تقرأ القرآن.
أخيرا: البعد عن الشبهات، والأخذ بالأحوط، والله أعلم.
Shafi 20
المبحث الثاني توزيع الكفارة على العدد المحدد من المساكين
من وجبت عليه الكفارة، ووجب في حقه الإطعام؛ فهل يجوز صرف تلك الكفارة في إطعام مسكين واحد لمدة عشرة أيام في كفارة اليمين أو ستين يوما في كفارة الجماع في رمضان وهكذا. أم يجب أن تصرف تلك الكفارة على عشرة أو ستين مسكينا مختلفين؟
جواب هذا السؤال جاء في (الروض) أن الواجب صرف الزكاة على عشرة مساكين مختلفين، ومن صرف كامل الكفارة على مسكين طيلة العشرة أيام؛ فكأنه أطعم مسكينا واحدا، وبقي في ذمته إطعام تسعة مساكين آخرين؛ فقال: "وقال زيد بن علي 6 في الرجل لا يجد إلا مسكينا واحدا؛ فيردد عليه عشرة أيام؛ قال: لا يجزئه إلا عن مسكين واحد"(1).
Shafi 21
وكلام الشارح جاء في أكثر من موضع؛ وتفصيل قوله جاء في كفارة من جامع أهله في نهار رمضان متعمدا؛ فقال: "يدل على وجوب إطعام هذا العدد؛ لإفادته تعليق الإطعام الذي هو مصدر أطعم بكل واحد من الستين؛ فلا يصدق على من أطعم واحدا في ستين يوما أو عشرين مسكينا في ثلاثة أيام أو نحو ذلك"(1).
بينما نقل الإمام المؤيد بالله قولا آخرا مغايرا لما جاء في (الروض)؛ يتضمن الحكم بجواز صرف تلك الكفارة على مسكين واحد؛ حيث قال: "قال زيد بن علي: يجزئه إلى مسكين واحد"(2).
Shafi 22
وأما موقف الإمام أحمد بن المرتضى(3) ؛ فقد نص في (البحر) على رواية واحدة؛ مكتفيا بالإشارة إلى أن هناك روايتين في هذه المسألة عن الإمام زيد بن علي؛ حيث قال: "(...عز(1)) ولا يجزئ فيما دون العشرة، وينتظر إن لم يكملوا؛ لظاهر الآية"(2).
وبجمع تلك الأقوال كلها؛ نخرج بالحكمين الآتيين عن الإمام زيد بن علي:
الحكم الأول: من أطعم مسكينا لمدة عشرة أيام في كفارة اليمين، أو عشرين مسكينا لمدة ثلاثة أيام في كفارة الجماع في رمضان؛ فقد برئت ذمته.
وهذا أحد أقوال الإمام المنصور بالله(3) ، ومذهب الأحناف والإمامية، والأباضية (1).
Shafi 23