باب القول في الأوامر
مدخل
...
باب الأوامر.
القول بالوقف في الأوامر والنواهى: وللأمر صيغة مقيدة بنفسها في كلام العرب من غير قرينة تنضم إليها وكذلك النهى وهذا قول عامة أهل العلم وذهب أبو الحسن الاشعري ومن تبعه إلى أنه لاصيغة للأمر والنهى وقالوا: لفظ افعل لا يفيد بنفسه شيئا إلا بقرينة تنضم إليه ودليل يتصل به.
وعندي أن هذا قول لم يسبقهم إليه احد من العلماء وقد ذكر بعض اصحابنا شيئا من ذلك عن ابن سريج ولا يصح وإذا قالوا: أن حقيقة الكلام معنى قائم في نفس المتكلم والأمر والنهى كلام فيكون قوله افعل ولا تفعل عبارة عن الأمر والنهى ولا يكون حقيقة الأمر والنهى وهذا ايضا لا يعرفه الفقهاء وإنما يعرفوا قوله افعل حقيقة في الأمر وقوله لا تفعل حقيقة في النهي.
واما الواقفية فتعلقوا بما ذهبوا إليه وقالوا: أن صيغة قوله افعل تحتمل وجوها من المعنى فانه قد ورد بمعنى الايجاب مثل قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [البقرة: ٤٣] وورد بمعنى التهديد بدليل قوله تعالى: ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾ [فصلت: ٤٠] وورد بمعنى التكوين قال الله تعالى: ﴿كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ [البقرة: ٦٥] وورد بمعنى التعجيز قال الله تعالى: ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ﴾ [البقرة: ٢٣] وورد بمعنى السؤال وذلك في قول العبد رب اغفر لى وارحمنى وورد بمعنى الاباحة وهو قوله تعالى: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة: ٢] وورد بمعنى الندب في قوله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً﴾ وإذا احتملت هذه الصيغة هذه الوجوه لم يكن البعض أولى من بعض فوجب التوقف حتى نعلم المراد بقرينة واشبه هذا سائر الأسماء المشتركة وهذا لازم احتمل وجوها شتى من المعنى لا يتعين أحد وجوهه إلا بدليل وشبهة القوم أن قوله افعل ليس يختص بمحمل احد من مسالك العقول فإن العقول لا مجال لها في تفصيل العبارات فلئن اختص بمحمل فإنما يختص من جهة النقل عن العرب أو من جهة الشرع.
قالوا: فإن ادعيتم نقلا صريحا من جهة أهل اللسان وهم العرب فهذه مباهته ولانعلم في هذا نقل صريح من العرب ولأن النقل ينقسم إلى المتواتر والآحاد وأن ادعيتم النقل من جهة الاحاد فلا احتمال به لانه لا يوجب العلم والمطلوب في هذه.
1 / 49