معلوم ومعقول ويقولون اعلم ما تقول واعقل ماتقول وفي استعمال العلماء يقع على اسمه قدر من العلم يميز من قام به بين خير الخيرين وشر الشرين ويصح منه بحصوله به الاستشهاد بالشاهد على الغائب ويخرج به عن حد المجانين والمعتوهين ويصح معه التكليف والخطاب.
ويمكن أن يقال أنه قوة ضرورية للوجود بها يصح درك الأشياء ويتوجه تكليف الشرع وهو ما يعرفه كل انسان من نفسه ولا يستدل عليه بغيره لأن الاستدلال يفتقر إلى علم ينتظر فيه وأصل يعتمد عليه ولو كان غيره دليلا عليه لكان مكتسبا لا ضروريا ثم أن العقل تختلف مراتبه.
فأولها: إدراك مايدرك بديهة وعلم ما يعلم بأول الراي وأعلاها ادراك الغائبات بالوسائط واسم العقل منتفى عن الله تعالى لأن علمه احاط بالأشياء لا عن جهة الاستدلال ولا بالترقى إلى معرفتها بالاجتهاد ولأن الأصل في اسامي الرب تعالى هو التوقيف ولا توقيف في وصف الله تعالى بالعقل فلا يوصف به واعلم أن محله القلب لأن محل سائر العلوم القلب فكذلك هذا ايضا ولأن الله تعالى قال: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾ [قّ: ٣٧] أي عقل دل أن محله القلب حيث عبر به عنه وقال بعض اصحاب ابي حنيفة أن محله الدماغ يقال فلان خفيف الدماغ أى ليس له عقل ولأنه إذا جن الدماغ ذهب العقل والأول اصح وقد قال جماعة أن العقل عقلان عقل غريزى وهو القوة المتهيئة لقبول العلم وهو من حيث القوة موجود في كل خليقة من الادميين وجوده في الطفل كوجود النخل في النواة والسمبل في الحبة.
والثاني: عقل مستفاد وهو الذي تتقوى به تلك القوة وقد يحصل باختيار من العبد ويحصل بغير اختيار منه قالوا: والعقل الغريزي بمنزلة البصر للجسد والمستفاد بمنزلة النور فكما أن المبصر لم يكن له نور من الجو لم يدرك بصره شيئا فكذلك العقل إذا لم يكن له نور من العلم المستفاد لم تعد بصيرة قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾ [النور: ٤٠] وما ذكرناه أولا من باب الفقهاء وطريقتهم هي الأولى وإذا عرفنا العلم واقسامه فنقول قد بينا أن الأصول أربعة الكتاب والسنة والاجماع والقياس وقال بعض اصحابنا ومعقول أصل واستصحاب الحال وقالوا: دخل في معقول الأصل دليل الخطاب وفحوى الخطاب ولحسن الخطاب وفى استصحاب الحال خلاف سنذكره.
1 / 28