ويكون له حكم الترجيح بينها، على أن رأي كل مؤلف في مسائل الخلاف ينتظم في سلك سائر الآراء، والواجب على المطلع عليه من أهل العلم أن ينظر في دليله كدلائل غيره، ويعتمد ما يظهر له رجحانه، كما فعل المؤلف في بحث الجلال الدواني في الحديث الضعيف وأبدى رأيه في الاختلاف فيه إذ قال:
بحث الدواني في الضعيف:
"قال المحقق الجلال الدواني في رسالته أنموذج العلوم: اتفقوا على أن الحديث الضعيف لا تثبت له الأحكام الشرعية، ثم ذكروا أنه يجوز بل يستحب العمل بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال، وممن صرح به النووي في كتبه لا سيما كتاب الأذكار وفيه إشكال؛ لأن جواز العمل واستحبابه كلاهما من الأحكام الشرعية الخمسة فإذا استحب العمل بمقتضى الحديث الضعيف كان ثبوته بالحديث الضعيف، وذلك ينافي ما تقرر من عدم الأحكام بالأحاديث الضعيفة".
ثم نقل عن الدواني أن بعضهم حاول التقصي من هذا الإشكال، وتصحيح كلام النووي بما أورده وناقش فيه، ثم نقل عن الشهاب الخفاجي مناقشة للدواني في المسألة من شرحه للشفاء، ورد عليه ردًّا شديدًا فوق المعهود من لين الأستاذ القاسمي، بأن حكم على كل مناقشات الخفاجي بأنها عادة استحكمت في مصنفاته لا يحظى واقف عليها بطائل، وأنه سود وجه القرطاس هنا، وأن كلام الجلال غبار عليه، وأن مؤاخذته بمطلق الفضائل افتراء أو مشاغبة، وختم الرد بقوله: "فتأمل لعلك تجد القوس في يد الجلال، كما رآه الجمال." ا. هـ.
وأقول: نعم! إنها قد تحلت وتجلت بحلة الجلال والجمال؛ ولو أن الثاني حول نظره عن كتب هذه الطبقة الوسطى من العلماء المستدلين كالدواني والنووي والمناقشة العليمة فيها إلى كتب المناقب والفضائل لجامعي كل ما روي من المحدثين، وكتب الأوراد والتصوف التي لفقها من دونهم من المؤلفين، لوجد فيها من الغلو في الإطراء المنهي عنه والتشريع الذي لم يأذن به الله، ومن الاحتجاج بأقوال الصوفية ومقلدة الفقهاء وعبادتهم المبتدعة، ما فيه جناية على عقائد الإسلام القطعية، ومخالفة لنصوص القرآن والأحاديث الصحيحة، ولوجدهم
1 / 15