وتعدد طرقه يقضي بحسنه كما جزم به العلائي. وفيه تخصيص حملة السنة بهذه المنقبة العلية، وتعظيم لهذه الأمة المحمدية، وبيان لجلالة قدر المحدثين وعلو مرتبتهم في العالمين؛ لأنهم يحمون مشارع الشريعة ومتون الروايات من تحريف الغالين وتأويل الجاهلين، بنقل النصوص المحكمة لرد المتشابه إليها.
وقال النووي رحمه الله تعالى في أول تهذيبه: "هذا إخبار منه ﷺ بصيانة هذا العلم وحفظه، وعدالة ناقليه. وإن الله يوفق له في كل عصر خلفا من العدول يحمونه وينفون عنه التحريف، فلا يضيع". وهذا تصريح بعدالة حامليه في كل عصر. وهكذا وقع ولله الحمد، وهو من أعلام النبوة، ولا يضر كون بعض الفساق يعرف شيئًا من علم الحديث إنما هو إخبار بأن العدول يحملونه لا أن غيرهم لا يعرف شيئًا منه.
ومن شرف علم الحديث ما رويناه من حديث عبد الله بن مسعود ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليَّ صلاة". قال الترمذي: "حسن غريب" وقال ابن حبان في صحيحه: "في هذا الحديث بيان صحيح على أن أولى الناس برسول الله ﷺ في القيامة أصحاب الحديث إذ ليس من هذه الأمة قوم أكثر صلاة عليه منهم".
وقال أبو نعيم: هذه منقبة شريفة يختص بها رواة الآثار ونقلتها لأنه لا يعرف لعصابة من العلماء من الصلاة على رسول الله ﷺ أكثر ما يعرف لهذه العصابة.
وكان الإمام الشافعي رحمه الله تعالى يقول: لولا أهل المحابر لخطبت الزنادقة على المنابر.
وقال أيضًا: "أهل الحديث في كل زمان كالصحابة في زمانهم".
وقال أيضًا: "إذا رأيت صاحب حديث فكأني رأيت أحدًا من أصحاب رسول الله ﷺ".
وكان أحمد بن سريج يقول: "أهل الحديث أعظم درجة من الفقهاء لاعتنائهم بضبط الأصول".
1 / 49