القرآن بل هي أكثر١. وقد أرتبط بها اتباعه ﷺ الذي هو ملاك سعادة الدارين، والحياة الأبدية بلا مين كيف وما الحق إلا فيما قاله ﷺ أو عمل به أو قرره أو أشار إليه، أو تفكر فيه أو خطر بباله أو هجس في خلده واستقام عليه. فالعلم في الحقيقة هو علم السنة والكتاب، والعمل بهما في كل إياب وذهاب ومنزلته بين العلوم منزلة الشمس بين كواكب السماء ومزية أهله على غيرهم من العلماء مزية الرجال على النساء: "وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء"٢ فيا له من علم سيط٣ بدمه الحق والهدى ونيط بعنقه الفوز بالدرجات العلى.
وقد كان الإمام محمد بن علي بن الحسين ﵇ يقول: "إن من فقه الرجل بصيرته أو فطنته بالحديث". ولقد صدق فإنه لو تأمل المتأمل بالنظر العميق والفكر الدقيق لعلم أن لكل علم خاصية تتحصل بمزاولته للنفس الإنسانية كيفية من الكيفيات الحسنة أو السيئة وهذا علم تعطى مزاولته صاحب هذا العلم معنى الصحابية لأنها في الحقيقة هي الاطلاع على جزئيات أحواله ﷺ ومشاهدة أوضاعه في العبادات والعادات كلها وعند بعد الزمان يتمكن هذا المعنى بمزاولته في مدركة المزاول ويرتسم في خياله بحيث يصير في حكم المشاهدة والعيان وإليه أشار القائل بقوله:
أهل الحديث هموا أهل النبي وإن ... لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا"
ويروى عن بعض الصلحاء أنه قال: "أشد البواعث وأقوى الدواعي لي على تحصيل علم الحديث لفظ: قال رسول الله ﷺ. فالحاصل أن أهل الحديث، كثر الله تعالى سوادهم، ورفع عمادهم لهم نسبة خاصة، ومعرفة مخصوصة بالنبي لا يشاركهم فيها أحد من العالمين فضلا عن الناس أجمعين لأنهم الذين لا يزال يجري ذكر صفاته العليا، وأحواله الكريمة وشمائله الشريفة على لسانهم، ولم يبرح تمثال جماله الكريم، وخيال وجهه الوسيم ونور حديثه المستبين يتردد في حاق وسط جنانهم فعلاقة باطنهم بباطنه العلي متصلة، ونسبة ظاهرهم بظاهره النقي مسلسلة فأكرم بهم من كرام يشاهدون عظمة المسمى حين يذكر الاسم ويصلون عليه كل لمحة ولحظة بأحسن الحد والرسم".
_________
١ المراد بالمثلية. ها هنا، مثلية العدد، بقرينة قوله: "بل هي أكثر".
٢ سورة المائدة، آية ٥٧، والحديد آية ٢١ وغيرهما.
٣ سيط: خلط.
1 / 47