مقدمة: في مطالع مهمة
المطلع الأول:
قال الزركشي في قواعده: "إن تصنيف العلم فرض كفاية على من منحه الله فهمًا واطلاعًا فلو ترك التصنيف لضيع العلم على الناس وقد قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ﴾ ١ الآية، ولن تزال هذه الأمة في ازدياد وترق في المواهب والعلم". ا. هـ.
وقال نابغة البلغاء ابن المقفع في مقدمة الدرة اليتيمة٢: "وجدنا الناس قبلنا لم يرضوا بما فازوا به من الفضل لأنفسهم حتى أشركونا معهم فيما أدركوا من علم الأولى والآخرة، فكتبوا به الكتب الباقية، وكفونا مئونة التجارب والفطن، وبلغ من اهتمامهم بذلك أن الرجل منهم كان يفتح له الباب من العلم والكلمة من الصواب وهو بالبلد غيرالمأهول فيكتبه على الصخور مبادرة منه للأجل، وكراهية لأن يسقط ذلك على من بعده٣، فكان صنيعهم في ذلك صنيع الوالد الشفيق على ولده الرحيم بهم الذي يجمع لهم الأموال، والعقد٤ إرادة أن لا تكون عليهم مئونة في الطلب وخشية عجزهم إن هم طلبوا فمنتهى علم عالمنا في هذا الزمان أن يأخذ من علمهم، وغاية إحسان محسننا أن يقتدي بسيرتهم، وأحسن ما يصيب من الحديث محدثنا أن ينظر في كتبهم فيكون كأنه إياهم يحاور، ومنهم يستمع غير أن الذي نجد في كتبهم هو المنتخل في آرائهم، والمنتقي من أحاديثم ولم تجدهم غادروا شيئًا يجد واصف بليغ في صفة له مقالًا لم يسبقوه إليه لا في تعظيم لله ﷿ وترغيب فيما عنده ولا في تصغير للدنيا وتزهيد فيها ولا في تحرير صنوف العلم، وتقسيم أقسامه وتجزئة أجزائها وتوضيح سبلها،
_________
١ سورة آل عمران، آية ٨١.
٢ ص٩ بيروت المطبعة الأدبية ١٨٩٧. طبعة ثانية.
٣ أي يفوته.
٤ جمع عقدة: ما فيه بلاغ الرجل وكفايته "قاموس".
1 / 37