والفقهاء والصوفية، والاستغناء بها عما كان عليه السلف ومنهم أئمة الأمصار من المحدثين والفقهاء بشبهة شيطانية، هي أن فهم الكتاب والسنة خاص بالمجتهدين وأن المتأخرين من العلماء أعلم بما فهمه المصنفون المقلدون للائمة في القرون الوسطى، وأولئك أعلم بما فهمه الأئمة المجتهدون منهما مباشرة، وأن العلماء على طبقات في تقليد بعضهم لبعض، عدها بعض متأخري الفقهاء خمسًا، وعدها الشعراني من متأخري الصوفية ستًّا، كل طبقة تحجب أهل عصرها عما قبله، حتى تجرأ بعض من يؤلفون ويكتبون في المجلات ممن أعدوا لقب "كبار علماء الأزهر" -وهم الطبقة العاشرة على حساب الشعراني- على التصريح على عصرنا هذا بأن من يؤمن بآيات القرآن في بعض صفات الله تعالى على ظاهرها يكون كافرًا "!!! " وتجرأ بعض من قبله منهم على التصريح في مجلس إدارة الأزهر بأن من يقول إنه يعمل بما صح من الأحاديث على خلاف فقهاء المذاهب فهو زنديق "كما بيناه في المنار وفي تاريخ الأستاذ الإمام" وهؤلاء يكرهون علم الحديث وأهله. وقد صرح الحفاظ الأولون بأن الوقيعة في أهل الأثر من أدب أهل البدع كما نقله المؤلف.
نقوله ودروسه وغرضه الاصطلاحي فيهما:
نقل لنا الجمال القاسمي بحسن اختياره وجماله وقسامته في إرشاده، نصوصًا من كتب أشهر الأئمة من علماء الملة المستقلين، وكتب المنتسبين إلى مذاهب الكلام والفقه والتصوف المقلدين، صريحة في اتفاق الجميع على وجوب الاهتداء والعمل بكتاب الله وسنة رسوله، واتباع سلف الملة في الدين، وعلى خطإ من يخالفهم في هذا بما يقطع ألسنة الذين يصدون عن سبيل الله من عميان الجهل المركب، الذين لا يعلمون، ولا يعلمون أنهم لا يعلمون، وهم الذين وصفهم أبو حامد الغزالي بقوله: "أولئك هم العميان المنكسون، وعماهم في كلتا العينين" فهذه حكمة نقله عن كل طبقة من العلماء المشهورين حتى المعاصرين له ولنا من المصنفين، ومحرري المجلات العلمية، ومنها المنار، ومما نقله عنه ما ترى في بحث "قراءة البخاري لنازلة الوباء" ولكنه لم يصرح باسمه ولا باسم صاحبه خوفًا من الحكومة١.
_________
١ يلاحظ أن المؤلف ﵀ أنجز كتابه عام ١٣٢٤هـ - ١٩٠٦ ميلادية، في زمن كانت مجلة المنار فيه ممنوعة على الناس في الأقطار العثمانية.
1 / 17