فصل
قد تبين فيما تقدم، أن المعرفة الصحيحة، توجب عبودية وخضوعا من كل عارف صحت معرفته، فبرهان المعرفة: العبودية وبرهان المحبة: المذلة، فإن كل محب ذليل لمن أحبه ، وهذا لا يكون إلا فيمن تفصلت معرفته على التفاصيل الشرعية وشعر فلبه بوجوه التفصيل ، ومتى شعر القلب بوجوه التفصيل صار للمعرفة هيمنة على القلب، تحكم عليه بالعبودية الخاصة، بمقتضى الأمر المعروف فيعبد الله بتلك العبودية الخاصة، في مقابلة ما ظهر لقلبه من المعارف، وشعر قلبه - أيضا - بتلك العبودية، وأنه يعامل الله عز وجل به ومن فتح الله عليه هذا الباب، وتحقق به، ودام له، واتصل بالعبودية سره، كان بريئا من رعونات النفس - في غالب الأمر وأكثره - محفوظا من نزغات الشيطان ، وحركات الجبابرة والمتكبرين، بل يلوح عليه سيماء العابدين، الذين يعبدون ربهم بجوارحهم وقلوبهم في العالم، فإن من خصوصية المعارف الصحيحة المفصلة على التفاصيل الإسلامية أن تتصرف في نفس العارف، فتذوبها وتصفيها، وتلطفها وتحميها، فتبقى حارة لطيفة، بعد أن كانت بحكم الطبع باردة يابسة، فيلوح على شمائل العارف مكارم الأخلاق، وظرافة الشيم والصفات، حيث صار له رب في قلبه يعرفه ويحبه ويعبده ويألهه، فنفسه خاضعة لسلطانه، مأسورة في قبضته، وروحه مغمورة في حضرته، وسره ممتع بمشاهدته.
Shafi 46