بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم يسر
الحمد لله الذي افتتح بالحمد كتابه وجعل لأهل العلم والعمل ثوابه وصلى الله على سيدنا محمد عبده الأمين ورسوله المكين المرسل بالكتاب المحكم الآيات البين العلامات فأمره جل ثناؤه بترتيل الكتاب وقراءته على الناس على مكث، فالقراءة بالترتيل والمكث واجبة بنص القرآن، والترتيل: التبين كما قرئ علي بكر بن سهل عن عبد الله ويوسف قال حدثنا عيسى قال حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم بن عتيبة عن مقسم عن ابن عباس في قوله ﴿ورتل القرآن ترتيلا﴾، قال بينه تبيينًا، قال أبو جعفر فمن التبيين تفصيل الحروف والوقف على ما تم معناه منها وبهذا جاءت سنة رسول الله ﷺ لقوله ﵇ «لا تختموا ذكر رحمة بعذاب ولا ذكر عذاب برحمة» وغير ذلك مما سنذكره في هذا الكتاب إن شاء الله، وهذا الكتاب نذكر فيه التمام في القرآن العظيم وما كان الوقف عليه كافيًا أو صالحًا، وما يحسن الابتداء به وما يجتنب من ذلك، وهو علم يحتاج إليه جميع المسلمين، لأنهم لا بد لهم من قراءة القرآن ليقرؤوه على اللغة التي أنزل الله جل وعز كتابه بها وفضلها ومدحها فقال جل ثناؤه
[١/ ١]
1 / 1
﴿بلسان عربي مبين﴾، وقال جل وعز ﴿الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان﴾، فمن البيان تفصيل الحروف والوقف على ما قد تم والابتداء بما يحسن الابتداء به.
قال أبو جعفر وتبيين ما يجب أن يجتنب من ذلك ونؤلفه سورة سورة كما تقدم في كتبنا غير أنا نذكر قبل ذلك أشياء من فضائل القرآن وأهله، ونقصد من ذلك ما لم يكن مطرح الإسناد لأن الفضائل قد كثر فيها ما هو مطرح الإسناد ثم تذكره بعده باب صفة قراءة النبي ﷺ وتبينه إياها وإنكاره الوقف على غير تمام ونهيه عن خلط آية رحمة بآية عذاب أو آية عذاب بآية رحمة ونذكر بعده باب مذاهب الصحابة والتابعين في التمام ونذكر بعده باب ما يحتاج إليه من حقق النظر في التمام وما انتهى إلينا من كلام الصحابة ومن بعدهم من القراء والعلماء والنحويين في التمام واختلافهم في ذلك وما هو أولى، قال أبو جعفر: ولست أعلم أحدًا من القراء والأئمة الذين أخذت عنهم القراءة له كتابًا مفردًا في التمام إلا نافعًا ويعقوب، فإني وجدت لكل واحد منهما كتابًا في التمام، وأما النحويون فلهم كتب سنذكر منها ما يحتاج إليه في هذا الكتاب، فمن النحويين سعيد بن مسعدة وسهل بن محمد وأحمد بن جعفر ولمحمد بن الوليد شيء قد كان عمله في التمام وفي كتب
[١/ ٢]
1 / 2
الكسائي والفراء وأبي عبيدة وغيرهم مما يحتاج إليه في هذا الكتاب وسيمر بك إن شاء الله.
وإن كان غير نافع ويعقوب من القراء قد ذكر في التمام شيئًا فليس يخلو أمره من أحد جهتين: إما أن يكون لهم شهرتهما وإما أن يكون ليس مثلهما كما قرئ على أحمد بن محمد بن الحجاج عن محمد بن رمح عن الليث بن سعد قال: حججت سنة ثلاث عشرة ومائة ونافع بن أبي نعيم إمام الناس كلها في القراءة، قال وحدثنا أحمد بن صالح ويونس عن ابن وهب قال: قراءة نافع سنة وقرئ على بكر بن سهل عن عبد الرحمن عن أبي جعفر قال حدثنا ابن عيينة عن أبي الزبير عن أبي صالح عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال «سيأتي على الناس زمان يضربون أكباد الإبل في طلب العلم فلا يوجد إلا عند عالم المدينة»، وقال مصعب قال ابن عيينة يرى أن الحديث يضرب الناس أكباد الإبل فلا يجدون عالمًا أعلم من عالم المدينة إنه مالك بن أنس.
وقرئ على أحمد بن شعيب عن علي بن محمد بن علي قال: حدثنا محمد بن كثير عن سفيان بن عيينة عن ابن جريح عن أبي الزناد عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ «يضربون أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون عالمًا أعلم من عالم المدينة»، قال أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب، الصواب عن ابن جريح عن أبي الزبير عن أبي صالح، وأبو الزناد
[١/ ٣]
1 / 3
خطأ، قال وأرجو أن يكون العالم مالك بن أنس، قال أبو جعفر وإنما ذكرنا هذا لأن نافعًا ومالكًا كانا في عصر واحد بالمدينة.
وسمعت محمد بن أحمد بن أيوب يعرف بابن شنبوذ، يقول كان يعقوب بن اسحق الحضرمي إمام أهل البصرة في عصره في القراءات وكان يأخذ أصحابه بعدد الآي فإذا أخطأ أحدهم في العدد أقامه، قال ابن شبنوذ: حدثني بذلك أحمد بن محمد بن شيبة العطار البصري، قال: حدثنا محمد بن شاذان الطيالسي البصري وكان أكبر رجال يعقوب الحضرمي إلا ما شاء الله، قال: كنا نقرأ على يعقوب فيأخذنا بالعدد فإذا أخطأ أحدنا في العدد أقامه.
[١/ ٤]
1 / 4
باب ذكر أشياء من فضائل القرآن وفضائل أهله
قال أبو جعفر قرئ على أحمد بن سهل المروزي عن علي بن الجعد قال: حدثنا شعبه عن علقمه بن مرثد قال سمعت سعد بن عبيدة يحدث عن أبي عبد الرحمن وهو عبد الله بن حبيب المقرى السلمي عن عثمان بن عفان ﵀ قال سعد: قلت عن النبي ﷺ؟ قال: نعم، قال «إن خيركم من قرأ القرآن وعلمه»، قال أبو عبد الرحمن فذلك الذي أقعدني هذا المقعد.
وحدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال: حدثنا علي بن معبد قال: حدثنا أحمد بن اسحاق الحضرمي ويحيى بن اسحاق السيلحيني قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد: قال حدثنا عبد الرحمن بن اسحاق عن النعمان بن سعد قال: سمعت عليًا يقول: قال رسول الله ﷺ «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»، ورواه شريك عن عاصم بن أبي النجود عن أبي عبد الرحمن عن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ «خيركم من قرأ القرآن وأقرأه»، وقرئ على أحمد بن علي بن سهل عن علي بن الجعد قال: حدثنا شعبة عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة عن النبي ﷺ قال «مثل الماهر بالقرآن مثل
[١/ ٥]
1 / 5
السفرة الكرام البررة والذي يقرأه وهو عليه شاق ويتعهده فله أجران».
قال حدثنا أحمد بن علي وحدثنا هارون بن عبد الله قال: حدثنا سيار قال: حدثنا جعفر قال: حدثنا مالك بن دينار قال: بلغنا أن الله ﷿ يقول «إني أهم بعذاب خلقي أو عبادي فأنظر إلى جلساء القرآن وعمار المساجد وولدان الإسلام فيسكن غضبي».
حدثنا محمد بن جعفر بن محمد بن داود الأنباري بالأنبار قال: حدثنا حميد بن الربيع قال: حدثنا أبو هدبة قال: حدثنا أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ «من تعلم القرآن وعلمه ولم يحرفه وأخذ بما فيه فأنا له شافع ودليل إلى الجنة».
وحدثنا ابن داود قال: حدثنا محمد بن أحمد بن الجنيد قال: حدثنا أبو عاصم قال: قال رسول الله ﷺ «إقرأوا القرآن فإنكم تؤجرون عليه أما أني لا أقول ألم حرف ولكن ألف عشر ولام عشر وميم عشر فتلك ثلاثون».
قال حدثنا محمد بن أحمد بن جعفر الكوفي: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا مروان بن معاوية عن عبد الملك بن ابجر عن المنهال بن عمر وعن قيس بن سكن قال: «تعلموا القرآن فإنه يكتب منه بكل حرف عشر حسنات ويكفر بها عشر سيئات أما أني لا أقول ألم (حرف) ولكن أقول ألف عشر ولام عشر وميم عشر».
[١/ ٦]
1 / 6
وقرئ على أحمد بن شعيب بن علي عن عبد الله بن سعيد عن عبد الرحمن قال: حدثنا عبد الرحمن بن بديل بن ميسرة عن أبيه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ «إن لله ﷿ أهلين من خلقه» قالوا ومن هم يا رسول الله؟ قال «هم أهل القرآن هم أهل الله وخاصته»، قال أبو جعفر يجب أن يكون أهل القرآن العاملين به إنما أنزل ليعمل به لا ليحفظ فقط، ومعنى هذا التأويل يروى عن عمر غير أنه قرئ على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال: حدثنا ابن معاوية قال: حدثنا الحجاج عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري (قل بفضل الله ورحمته)، قال: فضل الله جل وعز القرآن ورحمته أن جعلكم من أهله.
حدثنا محمد بن أحمد الأزدي قال: حدثنا يزيد بن سنان قال: حدثنا أبو داود الطيالسي قال: حدثنا عمران القطان عن قتادة عن أبي مليح الهذلي عن وائلة بن الأسقع أن رسول الله ﷺ قال «أعطيت مكان التوراة السبع، وأعطيت مكان الزبور المنين، وأعطيت مكان الإنجيل المثاني، وفضلت بالمفصل»، قال أبو جعفر: وهذا الحديث يبين لك أن تأليف القرآن عن رسول الله ﷺ كان مؤلفًا من ذلك الوقت وإنما جمع في المصحف على شيء واحد لأنه قد جاء هذا الحديث بلفظ رسول الله ﷺ على تأليف القرآن وفيه أيضًا من العلم الدلالة على أن سورة الأنفال سورة على حدة وليست من براءة.
قال أبو بشر عن سعيد بن جبير: السبع الطوال البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف ويونس، وقال غيره سميت
[١/ ٧]
1 / 7
طوالا لطولها، والمنون ما كان فيها مائة آية أو قريب منها بزيادة أو نقصان، والمثاني لأنها ثنت المنين أي كانت بعدها، فالمنون لها أوائل والمثاني لها ثوان وقيل لتثنية الأمثال فيها والخبر وهذا يروى عن ابن عباس وسمى المفصل لكثرة الفصول التي بين كل سورة.
قرئ على عبد الله بن محمد بن عبد العزيز عن شيبان بن فروخ قال: حدثنا عمر بن الأبح عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ «فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه».
قال أبو جعفر: ولا يلتفت إلى قول من ازرى على معلمي القرآن فظاهر مذهبه الإلحاد به، وقد ازرى هذا الرجل على الخلفاء الراشدين المهديين وقصد أهل السنة وأهل الحديث الناقلين لسنن رسول الله ﷺ بالتنقص والسب وترك قول رسول الله ﷺ «خيركم من تعلم القرآن وعلمه».
وحدثنا محمد بن أحمد بن جعفر الوكيعي قال: حدثنا ابن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة عن الحكم بن هشام عن عبد الملك بن عمير قال: كان يقال أنقى الناس عقولًا قراء القرآن.
وقرئ على أحمد بن علي بن سهل عن محمد بن بكار قال: حدثنا
[١/ ٨]
1 / 8
أبو معشر قال: سمعت طلحة بن عبيد الله بن كريز قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن من تعظيم جلال الله جل وعز تعظيم حامل القرآن غير الجافي عنه ولا الغالي فيه وأن من تعظيم جلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم وإكرام الإمام العادل».
وحدثنا محمد بن أحمد بن جعفر الكوفي حدثنا ابن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي إسحق عن مرة عن عبيد الله قال «من أراد العلم فلينشر القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين».
وحدثنا محمد بن أحمد بن جعفر قال: قال حدثنا ابن أبي شيبة، حدثنا محمد بن فضيل عن أبيه قال: كان عمر بن عبد العزيز لا يفرض إلا لمن قرأ القرآن، وكان أبي ممن قرأ ففرض له.
وحدثنا محمد بن أيوب بن حبيب، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس، حدثنا يوسف بن موسى قال: حدثنا جرير عن عبد الحميد عن الشيباني عن بشير بن عمرو، أن سعد بن أبي وقاص فرض لمن قرأ القرآن ألفين ألفين.
وحدثني محمد بن أيوب قال: حدثنا اسحاق قال: حدثنا إسماعيل بن نعيم قال: حدثنا العلاء بن عمرو قال: حدثنا خلف بن خليفة، حدثنا أبو هشام الرماني قال: سمعت زاذان يقول قال علي بن أبي طالب وابن عباس «ليس من مسلم قرأ القرآن إلا وله في بيت مال المسلمين في كل سنة مائتا دينار، فإن أخذها في الدنيا وإلا أخذها غدًا بين يدي الله ﷿».
[١/ ٩]
1 / 9
وقرئ على أحمد بن شعيب عن إسحاق بن منصور حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن عاصم عن زر عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله ﷺ «يقال لصاحب القرآن إقرأ وإرقا ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها».
[١/ ١٠]
1 / 10
باب ذكر صفة قراءة النبي ﷺ وتبيينه إياها وإنكاره الوقف على غير تمام وذكر تعلم أصحابه القرآن كيف كان
قرئ على بكر بن سهل عن شعيب بن يحيى قال: أخبرنا الليث عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكه عن يعلى بن مملك أنه سأل أم سلمه عن قراءة رسول الله ﷺ فقال: وما لكم ولصلاته، كان يصلي ثم ينام قدر ما صلى ثم يصلي قدر ما نام ثم ينام قدر ما صلى حتى يصبح ونعتت له قراءته فإذا قراءته مفسرة حرفًا حرفًا.
وحدثنا محمد بن أيوب بن حبيب قال: حدثنا زكريا بن يحيى قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال: حدثنا يحيى بن سعيد الأموي عن ابن جريج عن أبي مليكه عن أم سلمة قال: كان رسول الله ﷺ يقطع قراءته «بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب
[١/ ١١]
1 / 11
العالمين»، ومعنى هذا الوقوف على رؤوس من الآيات، وأكثر أواخر الآي في القرآن تام أو كاف وأكثر ذلك في السور القصار الآي نحو الواقعة والشعراء أو ما أشبههما.
وحدثني محمد بن جعفر الأنباري حدثنا هلال بن العلاء قال: حدثنا أبي وعبد الله بن جعفر قالا: حدثنا عبيد الله بن عمرو عن زيد وهو ابن أبي أنيسه عن القاسم بن عوف البكري قال: سمعت عبد الله بن عمر يقول لقد عشنا برهه من دهرنا وأن أحدنا ليؤتي الإيمان قبل القرآن وتنزل السورة على محمد ﷺ فيتعلم حلالها وحرامها وما ينبغي أن يوقف عنده منها كما تتعلمون أنتم اليوم القرآن، ولقد رأيت اليوم رجالًا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته ما يدري ما أمره ولا زاجره ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه وينثره نثر الدقل، قال أبو جعفر فهذا الحديث يدل على أنهم كانوا يتعلمون التمام كما يتعلمون القرآن، وقول ابن عمر: لقد عشنا برهه من الدهر يدل على أن ذلك إجماع من الصحابة.
قال وحدثني أحمد بن محمد الأزدي حدثنا يزيد بن سنان، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا سفيان يعني الثوري عن عبد العزيز بن رفيع عن تميم بن طرفه عن عدي بن حاتم الطائي قال: جاء رجلان إلى النبي ﷺ فتشهد أحدهما فقال: من يطع الله جل وعز ورسوله ﷺ فقد رشد ومن يعصهما
[١/ ١٢]
1 / 12
فقد غوى، فقال رسول الله ﷺ «بئس الخطيب أنت فقم»، قال أبو جعفر كان ينبغي أن يصل كلامه فيقولك ومن يعصهما فقد غوى أو يقف على رسوله فقد رشد، فإذا كان هذا مكروهًا في الخطب وفي الكلام الذي يكلم به بعض الناس بعضًا، كان في كتاب الله جل وعز أشد كراهية وكان المنع من رسول الله في الكلام بذلك أوكد، والله ﷿ نسأله التوفيق.
وقرئ على علي بن أحمد بن سليمان عن موسى بن سابق، حدثنا ابن وهب، حدثنا سليمان بن بلال، حدثني محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف إقرأوا ولا حرج ولكن لا تختموا ذكر رحمة بعذاب ولا تختموا ذكر عذاب برحمة»، قال أبو جعفر: فهذا تعليم التمام توقيفًا من رسول الله ﷺ بأنه ينبغي أن يقطع على الآية التي فيها ذكر الجنة والثواب ويفصل ما بعدها إن كان بعدها ذكر النار أو العقاب نحو ﴿يدخل من يشاء في رحمته﴾ ولا ينبغي (أن) يقول ﴿والظالمين﴾ لأنه منقطع عما قبله لأنه منصوب بإضمار فعل أي ويعذب الظالمين أو وعذب الظالمين.
[١/ ١٣]
1 / 13
باب ذكر من تعلم من الصحابة والتابعين في القطع والائتناف
قد ذكرنا حديث ابن عمر أنهم كانوا يتعلمون ما ينبغي أن توقف عنده كما يتعلم القرآن وإن هذا إجماع من الصدر الأول وقد روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس ﴿ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان﴾، وقال: فانقطع الكلام وحدثنا أحمد بن محمد بن نافع، حدثنا سلمة، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن قتاده في قوله جل وعز ﴿الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما﴾، قال أنزل الكتاب قيمًا ولم يجعل له عوجًا فيجب على هذا أن لا يقطع عند عوج لأن قيمًا راجع إلى ما قبله.
وحدثنا علي بن الحسين، حدثنا الحسن بن محمد حدثنا الوليد بن صالح، حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال: كل مؤمن صديق شهيد ثم قرأ ﴿أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم﴾، وكذا يروى عن مجاهد قال أبو جعفر: فعلى هذا التأويل التمام عند ربهم وفيه قول آخر أن يكون
[١/ ١٤]
1 / 14
التمام أولئك هم الصديقون ويكون الائتناف ﴿والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم﴾ كما قال مسروق هي للشهداء خاصة.
وروي عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه كان يستحب أن يقف ﴿قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا﴾ ثم يبتدئ فيقول ﴿هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون﴾، أراد أن يفرق بين كلام الكفار وجواب الملائكة، وسئل علي بن أبي طالب ﵁ عن قول الله ﷿ ﴿ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا﴾، وقد رأينا الكافر يقتل المؤمن، فقال علي ﵁: اقرأ ما قبلها ﴿فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا﴾ يعني يوم القيامة، قال أبو جعفر: لما اتصل الكلام بما قبله تبين المعنى وعرف المشكل، وقد تأول بعض العلماء حديث جرير: بايعنا رسول الله ﷺ على النصح لكل مسلم أنه ينبغي أن ينصح من علم القرآن فيقف الذي يعلمه على ما يحتاج إليه من القطع وما ينبغي أن يستأنف به.
ويروى عن ميمون بن مهران أنه أنكر الوقف على ﴿إنما نحن مصلحون﴾ ثم يقول: فيبتدئ ﴿ألا إنهم﴾، وكذا عن عمر بن عبد العزيز، فينبغي أن يتجنب القارئ مثل هذا، أنكره ميمون بن مهران ولا يقطع عند قوله ﷿ ﴿وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون والذين
[١/ ١٥]
1 / 15
آمنوا وعملوا الصالحات﴾، فلا يجوز الوقف على مثل هذا على أي حال من الأحوال، وإذا كان يصلي فالاستحباب له ألا يقطع في آخر الركعة إلا على كلام تام ولا يقف على ﴿إنما نحن مصلحون﴾ وهو رأس العشر في عدد أهل المدينة، ولكن التمام ﴿ولكن لا يشعرون﴾ وكذا لا يقف على رأس العشرين ﴿لعلكم تتقون﴾ لأن ﴿الذي جعل لكم﴾ من نعت (ربكم) ولكن يقطع إن شاء عند قوله ﴿أن الله على كل شيء قدير﴾ وإن شاء وقف على ما بعد العشرين وهو قوله ﷿ ﴿فلا تجعلوا لله أندادًا وأنتم تعلمون﴾، ولا ينبغي أن يحتج بأن نيته وإن وقف غير ذلك فإنه مكروه عند العلماء بالتمام والسنة وأقوال الصحابة تدل على ذلك، فقد أنكر النبي ﷺ على الرجل الذي خطب فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما، ولم يسأله عن نيته ولا ما أراد وأنكر النبي ﷺ على من قال ما شاء الله وشئت ولم يسأله عن نيته، وكذا القاطع على ما لم يجب أن يقف عليه وإن كان نيته غيره فإنه يكره ذلك له، وقد كره إبراهيم النخعي أن يقال لا والحمد لله ولم يكره أن يقول نعم والحمد لله، وعن أبي بكر الصديق ﵁ أنه
[١/ ١٦]
1 / 16
قال لرجل معه ناقة أتبيعها بكذا؟ فقال: لا عافاك الله، فقال: لا تقل هكذا ولكن قل لا وعافاك الله، فأنكر عليه لفظه ولم يسأله عن نيته.
[١/ ١٧]
1 / 17
باب ما يحتاج إليه من حقق النظر في التمام
ذكر لي بعض أصحابنا عن أبي بكر بن مجاهد أنه كان يقول: لا يقوم بالتمام إلا نحوي عالم بالقراءات عالم بالتفسير عالم بالقصص وتلخيص بعضها من بعض، عالم باللغة التي نزل بها القرآن، وقال غيره: يحتاج صاحب علم التمام إلى المعرفة بأشياء من اختلاف الفقهاء في أحكام القرآن لأنه من قال من الفقهاء لا تقبل شهادة القاذف وإن تاب فإن الوقف عنده ﴿ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا﴾ فمن روى عنه أن شهادة القاذف لا تجوز وإن تاب فإن الوقف عنده ﴿ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا﴾ فمن روى عنه أن شهادة القاذف لا تجوز وإن تاب ابن عباس من رواية عطاء الخراساني عنه وهو قول شريح والحسن والنخعي وسعيد بن جبير والثوري، وقال أصحاب الرأي شهادة القاذف المحدود فيه لا تجوز أبدًا ومن قال تجوز شهادته إذا تاب كان الكلام عنده متصلًا والوقف عند ﴿فإن الله غفور رحيم﴾ ومن روى عنه أن شهادة القاذف إذا تاب جائزة عمر بن الخطاب رواه الزهري عن ابن المسيب عن عمر وروى ابن أبي طلحه عن ابن عباس ﴿ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا﴾ قال: ثم قال ﴿إلا الذين تابوا﴾ قال: ومن تاب وأصلح فشهادته في كتاب الله ﷿
[١/ ١٨]
1 / 18
تقبل.
قال أبو جعفر وهذا قول طاووس ومجاهد وعطاء والزهري والشعبي وأبي الزناد ومالك والشافعي، واحتج الشافعي بأن الثنيا في سياق الكلام على أول الكلام وآخره في جميع ما يذهب إليه أهل اللغة إلا أن يعرف ذلك بخبر وليس عند من يزعم أنه لا تقبل شهادة أن الثنيا له خبر إلا عن شريح وهم يخالفون شريحًا برأي أنفسهم، قال أبو جعفر: ويحتاج إلى معرفة بالنحو وتقديراته، ألا ترى أنه من قال ﴿ملة أبيكم إبراهيم﴾ منصوبة بمعنى كملة أبيكم إبراهيم وأعمل فيها ما قبلها، لم يقف على ما قبلها ومن نصبها على الإغراء وقف على ما قبلها ويحتاج إلى معرفة التفسير لأنه إذا وقف على ﴿فإنها محرمة عليهم أربعين سنة﴾ كان المعنى أنها حرمت عليهم هذه المدة وإذا وقف على ﴿فإنها محرمة عليهم﴾ كان المعنى أنها محرمة عليهم أبدًا وأنهم يتيهون في الأرض أربعين سنة، فيرجع في هذا إلى التفسير ويكون الوقوف بحسب ذلك ويحتاج إلى المعرفة بالقراءات لأنه إذا قرأ ﴿ويقولون حجرًا محجورا﴾ كان هذا التمام عنده، وإن ضم الحاء وهي قراء الحسن فالوقف عنده (ويقولون حجرا) وكان الرجل من العرب إذا نزلت به شدة يقول حجرا فقيل لهم محجورا أي لا تعادون كما كنتم في الدنيا تعادون حجر الله جل وعز ذلك عليكم يوم القيامة، وإذا قرأ ﴿وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين
[١/ ١٩]
1 / 19
بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص﴾، فهذا التمام عنده إذا نصب وهي قراءة نافع وعاصم والأعمش وحمزة، ومن قرأ (والعين بالعين) فرفعها ورفع ما بعدها فالوقف عنده (أن النفس بالنفس) وهذه قراءة الكسائي واختيار أبي عبيد واحتج بحديث الزهري عن أنس أن رسول الله ﷺ قرأ ﴿أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص﴾، قال أبو جعفر فعلى هذه القراءة والعين بالعين ابتداء حكم في المسلمين ويجعل ما كتب عليهم في التوراة أن النفس بالنفس ويوجب الحكم بالقصاص في العيون وما بعدها بين المسلمين بالآية.
وممن كان يرى القصاص من العين علي بن أبي طالب ﵁ وهو قول الشعبي ومسروق والنخعي وابن سيرين والزهري والحسن ومالك والثوري وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق كما روى الحكم عن يحيى بن جعده: أن أعرابيًا قدم بحلوبه إلى المدينة فساومه مولى لعثمان بن عفان فنازعه فلطمه ففقأ عينه، فقال له عثمان: هل لك أن أضعف لك الدية وتعفوا عنه، فأبى، فرفعهما إلى علي بن أبي طالب ﵀، فدعا بمرآة فأحماها ثم وضع القطن على عينه الأخرى ثم أخذ المرآة بكلبتين فأدناهما من عينه حتى سال إنسان عينه.
قال أبو جعفر فقد صار في معرفة الوقف والائتناف والتفريق بين المعاني، فينبغي لقارئ القرآن إذا قرأ أن يفهم ما يقرؤه ويشغل
[١/ ٢٠]
1 / 20