202

Fadar Sha'awa

قصر الشوق

Nau'ikan

فتساءل إسماعيل ضاحكا: ألم تعجبك جارية يا أمير المؤمنين؟

فأشار كمال إلى بيت، وقال: كانت تقف عند هذا الباب الخالي، ترى أين ذهبت؟ - مع زبون في الداخل يا أمير المؤمنين، فلينتظر مولانا حتى يقضي أحد رعاياه وطره. - وأنت ألم تجد ضالتك؟ - إني قديم عهد بالطريق وأهله، ولكني لن أمضي إلى وجهتي حتى أسلمك إلى صاحبتك، ماذا أعجبك فيها؟ يوجد أجمل منها كثيرات.

سمراء لم يطمس الزواق سمرتها، وفي حنجرتها وتر يذكر من بعيد بتلك الموسيقى الخالدة، وقد تجد العين نوعا من الشبه بين بشرة المختنق وأديم السماء الصافية: أتعرفها؟ - تدعى هنا وردة، واسمها الحقيقي عيوشة.

عيوشة-وردة! لو يستطيع الإنسان أن يغير ماهيته كما يغير اسمه! في عايدة نفسها شيء يشبه مركب عيوشة-وردة، وفي الدين، وفي عبد الحميد بك شداد، وفي الآمال العريضة، أواه! لكن الخمر ترفعك إلى عرش الآلهة فترى هذه المتناقضات غارقة في أمواج الفكاهة المقهقهة، مستحقة للعطف. وشعر بكوع إسماعيل ينهزه في جنبه وهو يقول (دورك)، فنظر صوب الباب فرأى رجلا يغادر البيت متعجلا، وإذا بالمرأة تعود إلى موقفها كما رآها أول مرة، فاتجه نحوها بقدمين ثابتتين فتلقته بابتسامة، ثم مضى إلى الداخل وهي في أثره تغني: «ارخ الستارة اللي في ريحنا»، ووجد سلما ضيقا فرقي فيه وقلبه يخفق حتى انتهى إلى دهليز يفضي إلى صالة، وصوتها يلاحقه قائلا من حين لآخر: «يمينك»، «شمالك»، «هذا الباب الموارب». حجرة صغيرة مورقة الجدران، مكونة من فراش، وتسريحة، ومشجب، وكرسي خشب، وطست، وإبريق. ووقف في وسط الحجرة كالمرتبك وعيناه تراقبانها. ومضت هي تغلق الباب والنافذة التي كان يترامى منها صوت دف وصفارة وتصفيق، ولاح وجهها في أثناء ذلك جادا بل أقرب إلى العبوس والصرامة حتى تساءل ساخرا عما تبيته له، ثم واجهته، وراحت تقيسه بعينيها طولا وعرضا، ولما مرتا برأسه وأنفه داخله قلق، غير أنه أراد أن يتغلب على قلقه فاقترب منها فاتحا ذراعيه، ولكنها استنظرته بحركة جافة من يدها وهي تقول: «انتظر.» فتسمر في مكانه، بيد أنه كان مصمما على تذليل العراقيل، فقال باسما فيما يشبه السذاجة: أنا اسمي كمال.

فحدجته بنظرة داهشة وهي تقول: تشرفنا! - ناديني، قولي لي: «يا كمال»!

فقالت وما تزداد إلا دهشة: لماذا أناديك وأنت أمامي كالرزية؟

أعوذ بالله! ترى أتمازحه؟ وازداد تصميما على إنقاذ الموقف، فقال: قلت لي انتظر، ماذا أنتظر؟ - في هذا لك حق.

قالت ذاك، ثم نزعت ثوبها بحركة بهلوانية، ووثبت إلى الفراش ففرقع تحت ثقلها، واستلقت على ظهرها وراحت تربت بطنها بأناملها المخضبة بالحناء، اتسعت عيناه إنكارا. لم يكن يتوقع هذه المفاجأة البهلوانية. وشعر بأن كلا منهما في واد، وما أبعد المدى بين وادي اللذة ووادي العمل ... انهدم في لحظة ما أقامه الخيال في أيام، وجرت مرارة الامتعاض في ريقه. غير أن الرغبة في الاكتشاف لم تفتر فغالب انزعاجه، ثم حرك ناظريه صوب الجسد العاري حتى استقر على هدف، وبدا حينا كأنه لا يصدق عينيه. وأحد بصره في انزعاج وتقزز حتى شعر في النهاية بما يشبه الرعب. أهذه هي الحقيقة أم أنه أساء اختيار المثال؟ ولكن مهما يكن من سوء اختياره فهل يغير هذا من الجوهر؟ ونزعم أننا نحب الحقيقة! شد ما ظلموا رأسك وأنفك ! وحدثته نفسه بالهرب، وأوشك أن يصغي إليها، ولكنه تساءل فجأة: لماذا لم يهرب الرجل الذي سبقه؟ وماذا يقول لإسماعيل إذا عاد إليه؟ كلا لن يهرب، لن يتراجع أمام المحنة. - ما لك واقفا كالتمثال؟

هذه النبرة التي هزت الفؤاد، لم تكذب الأذنان ولكن الجهل كذاب، سوف تضحك كثيرا من نفسك، ولكن وأنت ظافر لا هارب، هب الحياة مأساة فعليك أن تلعب دورك. - أتقف هكذا حتى الفجر؟

قال بهدوء غريب: نطفئ النور.

Shafi da ba'a sani ba