163

Fadar Sha'awa

قصر الشوق

Nau'ikan

فقالت وكأنها تخاطب نفسها: ماذا أصابني في عقلي حتى طاوعتك وجئت معك إلى هنا! - اسكتي ... ما كان كان، ولست آسفا على شيء ... أف ...

وترامت إليها الأصوات خلال الباب المغلق، فدلت على أن أكثر من جارة قد أحاطت بالزوجة الغاضبة، ثم سمع صوت مريم وهي تقول بلهجة باكية: هل سمعتم عن هذا من قبل؟ عاهرة من عرض الطريق في بيت الزوجية؟ استيقظت على ضوضائهما وهما يضحكان ويغنيان. إي والله كانا يغنيان بلا حياء بعد أن أذهلهما السكر، خبروني أهذا بيت أم ماخور؟

وإذا بصوت امرأة تقول محتجة: أتجمعين ثيابك وتغادرين بيتك؟ هذا بيتك يا ست مريم ولا يصح أن تغادريه، فلتغادره الأخرى.

فهتفت مريم: لم يعد بيتي، لقد طلقني المحترم.

فقالت أخرى: لم يكن في وعيه، تعالي الآن معنا ولنؤجل الحديث إلى الصباح، ومهما يكن من أمر، فياسين أفندي رجل طيب وابن ناس طيبين، لعنة الله على الشيطان، تعالي يا ابنتي ولا تحزني.

فصاحت مريم: لا كلام ولا حساب، لا طلع الصباح عليه المجرم ابن المجرمة.

ثم تتابع وقع الأقدام مبتعدا حتى لم يعد يسمع من المتحدثات إلا أصوات مبهمة، ثم دوت صفقة الباب وهو يغلق، نفخ ياسين طويلا، ثم استلقى على ظهره.

27

عندما فتح عينيه كان نور الضحى قد ملأ الحجرة، وجد في رأسه ثقلا لا عهد له به، رغم أنها لم تكن أول مرة يستيقظ بعد ليلة مخمورة، وبحركة من رأسه غير مقصودة وقعت عيناه على زنوبة وهي تغط في نومها إلى جانبه، هنالك استعادت ذاكرته حوادث الليلة الماضية في لقطة واحدة: زنوبة في فراش مريم، ومريم؟ عند الجيران، والفضيحة؟ في كل مكان، يا لها من وثبة جبارة في هاوية التدهور! ما جدوى الغضب أو الندم الآن؟ ما كان كان، وكل شيء قد يتغير إلا أمس. أيوقظها؟ ولكن لمه؟ فلتمتلئ نوما حتى تشبع، ولتبق حيث هي، فما ينبغي أن تغادر البيت قبل أن يقبل الظلام. ولم يكن بد من استعادة شيء من حيويته ليلاقي به يومه العسير، فأزاح الغطاء الخفيف عن جسمه، وانزلق إلى أرض الغرفة، ثم مضى إلى الخارج ثقيلا، منفوش الشعر، منتفخ الجفون، محمر العينين، تثاءب في الصالة بصوت كالخوار، ثم نفخ وهو ينظر إلى باب حجرة الاستقبال المفتوح، ثم أغمض عينيه متأوها من ثقل رأسه وقصد إلى الحمام. أمامه يوم عسير حقا، مريم عند الجيران، والأخرى محتلة فراشها، وقد أدركه النهار قبل أن يخفي آثار جريمته، فيا للجنون! كان يجب أن يسربها قبل أن يأوي إلى فراشه، فكيف توانى عما يجب؟ أي غاشية غشيته؟ بل ومتى وكيف مضى بها من حجرة الاستقبال إلى حجرة النوم؟ إنه لا يذكر شيئا، لا يذكر حتى كيف ومتى استجاب للنوم، والجملة أنها فضيحة كبرى بلا ثمن، وليلة بريئة ولكنها مثقلة بالعار مثل رأسه المثقل بالهم والصداع، ولكن لا عجب، فهذه الشقة مسكونة من قديم بشياطين الفضائح، تركة أم غفر الله لها، مضت الأم وبقي الابن ليكون مضغة الأفواه، ونادرة السكان والجيران، وغدا تهرع الأنباء إلى بين القصرين ... فإلى الأمام. قرار هاوية سحيقة من العربدة والسفالة، فليت هذا الماء البارد الذي تغتسل به يطهر النفس من ذكريات السوء، ومن يدري فلعلك إذا أطللت من النافذة وجدت أمام بابك لمة ترصد خروج المرأة التي طردت الزوجة واحتلت مكانها، كلا لن تسمح لها بالخروج مهما يكن من أمر، أما مريم فقد طلقتها! طلقتها وما أردت ذلك، وأمها لم يجف ماؤها في قبرها بعد، فماذا يقول عنك الناس أيها المفتري؟! وشعر بحاجة ماسة إلى فنجان قهوة ينعش به حواسه، فغادر الحمام إلى المطبخ. وفي أثناء عبوره الدهليز الذي يفصل بينهما لمح الكنصول في الصالة، فذكر زجاجة الكونياك المهراقة في غرفة الاستقبال، وتساءل لحظة عما أصاب السجادة، ثم ذكر في اللحظة التالية وفي أسف ساخر أن أثاث الشقة كله لم يعد ملكه، وأنه سيلحق عما قليل بصاحبته. وبعد دقائق معدودات كان يحمل كوبا مملوءا حتى نصفه بالقهوة ويسير نحو حجرة النوم، وهنالك وجد زنوبة جالسة في الفراش تتمطى وتتثاءب، فالتفتت نحوه وقالت: صباحنا خير، وإن شاء الله نغير ريقنا في القسم!

فرشف رشفة وهو ينظر إليها من فوق الكوب، ثم قال: قولي يا فتاح يا عليم.

Shafi da ba'a sani ba