149

Fadar Sha'awa

قصر الشوق

Nau'ikan

وغادرت موقفها متجهة نحو شارع المدرسة فوقف يرنو إليها كالمسحور، وعند منعطف الطريق التفتت نحوه فألقت عليه نظرة باسمة، ثم غابت عن ناظريه.

ماذا قال؟ وماذا سمع؟ سيخلو إلى هذا عما قليل، بعد أن يفيق، متى يفيق؟ إنه يسير الآن وحده، وحده؟ وخفقات القلب وهيمان الروح وأصداء النغم؟ ومع ذلك شعر بالوحدة بقوة هزت صميم فؤاده، وفغمه شذا ياسمين ساحرا آسرا، ولكن ما هويته؟ ما أشبهه بالحب في سحره وأسره وغموضه، لعل سر هذا يفضي إلى ذاك، ولكنه لن يحل هذا اللغز حتى يأتي على تراتيل الحيرة.

24

قال حسين شداد: هذه جلسة الوداع وا أسفاه!

امتعض كمال لدى ذكر كلمة الوداع، ورمق حسين بنظرة سريعة ليرى إن كان وجهه ينطق بالأسف حقا كما نطق به لسانه. على أنه استشعر جو الوداع منذ أكثر من أسبوع؛ إذ إن مجيء يونيو يؤذن عادة برحيل الأصدقاء إلى رأس البر والإسكندرية، فما هي إلا أيام حتى تغيب عن أفقه الحديقة والكشك والأصدقاء، أما المعبودة فقد ارتضت الاختفاء من قبل أن يقضي به الرحيل، وأصرت عليه رغم الصلح الذي توج به حديث شارع السرايات. لكن هل يمضي يوم الوداع دون زيارة؟ هل هانت المودة إلى حد الضن بنظرة عابرة قبل سفر ثلاثة أشهر؟ تساءل كمال باسما: لم قلت «وا أسفاه»؟

فقال حسين شداد باهتمام: وددت لو سافرتم معي إلى رأس البر، يا سلام! ... أي تصييف كان يكون.

كان يكون عجبا بلا ريب، حسبه أن المعبودة لا تستطيع مواصلة الاختفاء هناك، وخاطبه إسماعيل لطيف: كان الله في عونك! كيف تحتمل حر الصيف هنا، إن الصيف لم يكد يبدأ بعد، ومع ذلك انظر إلى حر اليوم.

كان الجو شديد الحرارة رغم تقلص ذيل الشمس عن الحديقة والصحراء الممتدة وراءها، غير أن كمال قال بهدوء: لا شيء في الحياة لا يمكن احتماله.

وفي اللحظة التالية كان يسخر من إجابته ويتساءل كيف أجاب بها! وإلى أي حد يمكن اعتبار أقوالنا تعبير صدق عما في نفوسنا؟ ونظر فيما حوله فرأى أناسا سعداء ما في ذلك ريب، بدوا في قمصانهم ذوات الأكمام القصيرة وبنطلوناتهم الرمادية كأنما يتحدون الحر، كان هو وحده الذي يرتدي بدلة كاملة - وإن تكن بدلة خفيفة بيضاء - وطربوشا وقد وضعه على المنضدة، وإذا بإسماعيل لطيف ينوه بنتيجة الامتحان قائلا: نتيجة نجاح مائة في المائة، حسن سليم نال الليسانس، كمال أحمد عبد الجواد منقول، حسين شداد منقول، إسماعيل لطيف منقول.

قال كمال ضاحكا: لو اكتفيت بذكر النتيجة الأخيرة لعرفنا الأخريات بداهة.

Shafi da ba'a sani ba