Waka da Hoto
قصيدة وصورة: الشعر والتصوير عبر العصور
Nau'ikan
الواقع أن «أبا شادي» ظاهرة أدبية وعلمية وفكرية نادرة في تاريخ أدبنا الحديث. لقد أوجد مناخ التجديد وبشر به بحماس وهمة لا نظير لهما، ولكن موهبته في الابتكار وريادة الآفاق المجهولة - سواء في تجديد الشعر والأدب، أو في الدجانة والنحل اللذين خصهما بمجلتين أخريين! - قد فاقت موهبته الشعرية الفقيرة إلى حد مأساوي مؤلم، فامتزج في شعره الغزير المتسرع قدر هائل من الفكر والعلم والتصوف والفلسفة جعله في الغالب الأعم نظما خاليا من كل أثر لسحر الشعر وصدقه وتصويره وتعبيره عن الذات - أي من كل القيم التي دعا إليها وحارب من أجلها بشجاعة وتضحية وصدق - حتى ليندر أن تجد في دواوينه الكثيرة بيتا واحدا يمكن أن يتسلل إلى القلب، ويؤثر عليه بنغمة شجية أو صورة موحية. لقد كان شاعرا مرحليا لم يتعد عمره الفني عمره الزمني، من أولئك المنظرين الذين يتقنون كتابة البيانات ووضع المشروعات الكبيرة ويخفقون في تحقيقها في إنتاجهم الذي يكذب في معظمه مبادئهم وغاياتهم ؛ ولذلك لم تبق لابتكاراته في المسرح الشعري والأوبرا والشعر التصويري نفسه إلا قيمة تاريخية لا يحس بها إلا من يكلف نفسه مشقة تقليب صفحات التاريخ، أو متابعة قضية التأثير والتأثر بالشعر الغربي ليكتشف أن قصائده التصويرية قد وقفت عند التقليد المباشر والمحاكاة السطحية، ولم تبلغ مرحلة التوليد والإبداع الناضج التي بلغتها في نماذج عديدة من شعر المجددين الكبار في حركة الشعر الحر منذ أوائل الخمسينيات.
ويكفي أن نطلع على قصيدة واحدة من القصائد التي ذكرناها لكي لا نتهم بظلم أبي شادي - الذي نقدر دوره ودور جماعة أبولو كل التقدير - ولنقف وقفة قصيرة عند القصيدة الأولى من تلك المجموعة التي ذكرناها لنتأكد من قصورها عن تأصيل هذا النوع الأدبي وإخفاقها في جذب الأنظار إليه. وقصيدة «المساء في الصحراء»
31
هي أول قصيدة في تلك السلسلة الطويلة من نماذج الشعر التصويري التي راح فيها يحاكي نماذج غربية أو بالأحرى إنجليزية لا نعرفها على وجه التحديد. ستطالعنا لوحة ساذجة تحاول القصيدة أن تعبر عنها، وتمثل منظرا صحراويا تظهر في خلفيته كثبان الرمل الرمادية الميالة إلى الخضرة الغامقة، يحدها من الجانب الأسفل للصورة مستطيل تقترب مساحته من البناء القاتم، وفيها نشاهد جملا يقف أمامه عربي في بردة بيضاء، وأمامهما ثلاثة أعراب يجلسون القرفصاء حول مجمرة يتصاعد منها نار ودخان. وليس في الصورة الراكدة شيء يمكن أن يثير وجدان الشاعر وخياله، إلا أن تكون مناسبة للحديث عن الصحراء والمساء بوجه عام:
دنا الليل والصحراء في روعة له
وإن لمحت في راحة وسكون
ولم يبق من شمس الغروب ونورها
سوى لوعة في صفرة وحنين
تقبل كثبان الرمال وكل ما
تقبل في وجد ويأس حزين
Shafi da ba'a sani ba