Waka da Hoto
قصيدة وصورة: الشعر والتصوير عبر العصور
Nau'ikan
ويوما له يوم الترحل خامس
تدور علينا الراح في عسجدية
حبتها بأنواع التصاوير فارس
قرارتها كسرى، وفي جنباتها
مها تدريها بالقسي الفوارس
فللخمر ما زرت عليه جيوبها
وللماء ما دارت عليه القلانس
22
والأبيات الثلاثة الأخيرة تصف الكأس الذهبية الحافلة بألوان من التصاوير الفارسية؛ ففي أسفلها صورة كسرى، وعلى جوانبها صور بقر وحشي وفوارس تختلها، وتحتال عليها لترميها بالنشاب. وقد ملئت الكئوس بحيث بلغت الخمر إلى مواضع الجيوب، أو الحلوق من تلك الصور، وصب الماء عليها حيث الرءوس التي تدور عليها القلانس، أو أغطية الرأس الشائعة في ذلك الحين. ومع أن الكأس التي وصفها أبو نواس قد زالت بما نقش عليها من تصاوير، زالت الدار والندامى الذين كانت تدار عليهم، ومع أن فرصة المقارنة الجمالية بين صور القصيدة والتصاوير الفارسية قد ضاعت إلى الأبد، فإن المشاهد التي رسمتها أبياتها الثلاثة الأخيرة لم تزل متدفقة بالحياة. وإن وضعناها في سياق القصيدة وفي علاقتها بالأبيات الثلاثة المتقدمة عليها، لاستشعرنا «جدلية» الحياة والموت بكل قسوتها وصدقها. لقد خلت الدار وصارت أطلالا دارسة، لم يبق فيها من الندامى الذين هجروها سوى آثار من جر الزقاق على الثرى، وبقايا ريحان جني ويابس. وفي إطار الزوال والفناء، الذي زاده الرحيل حزنا على حزن، وضع الشاعر أحداث الماضي في صورة تثبته، وتجعله حاضرا في خيال كل ناظر إليه أو قارئ لسطوره أو مستمع لشعره. ترى كيف كان يبدو كسرى في قرار الكأس؟ هل كان يجلس على العرش؟ وكيف بدت ملامح وجهه ونظرات عينيه. والفوارس والمها، وفعل الصيد بمختلف عناصره ومكوناته وزخارفه وحركاته وظلاله؟ ... لا جدوى من الأسئلة التي كان يمكن أن تثري الإجابة عليها إحساسنا بالقصيدة وتذوقنا لها؛ فنحن أمام قصيدة تصور، لا قصيدة صورة أو تصوير لم يبق لهما للأسف أثر!
يمكننا أيضا أن نقف عند رائعة البحتري (من 204 إلى 284ه تقريبا)، الشهيرة في وصف إيوان كسرى بالمدائن ومطلعها:
Shafi da ba'a sani ba