Waka da Hoto
قصيدة وصورة: الشعر والتصوير عبر العصور
Nau'ikan
لكن علاقة القرابة بين الشعر والرسم لم تلبث أن ظهرت مرة أخرى منذ أواخر القرن التاسع عشر إلى أيامنا الحاضرة ... وكانت فنون الشرق التي تعرف عليها الغربيون على نطاق واسع منذ ذلك الحين هي المسئولة عن هذا التحول؛ فقد أحس الناس بشاعرية الرسوم الشرقية، وبنزعة الشعر الصيني والياباني إلى الرسم والتصوير. وتزايدت الدراسات النقدية التي توضح العلاقة الوثيقة بين الشعر والرسم، كان الشعراء الصينيون في معظم الأحيان رسامين، كما كان النقاد - في القرنين الحادي عشر والثاني عشر بوجه خاص - قد أكدوا التوازي بين الشعر والرسم في عبارات قريبة من العبارات المأثورة عن سيمونيد وهوراس. وها هو ذا واحد منهم - وهو كورسون - يقرر أن الرسم والكتابة فن واحد، وأن الشاعر يستطيع أن يرسم الشعر كما يستطيع الرسام أن يكتب قصائد بلا صوت ... وقد أدى هذا بعدد من الشعراء الأوروبيين والأمريكيين إلى اتباع القواعد التي حددها اليابانيون للقصائد والقوانين التي وضعها الصينيون للرسم. وبلغ الأمر ببعض هؤلاء الشعراء أن كتبوا ورسموا قصائد «شرقية»؛ أي صورا تتجه إلى العين مباشرة، وانطباعات حرة في عدد محدود من المقاطع والسطور، وإيحاءات مركزة عن طريق تمثل الطبيعة لا عن طريق نسخها، وأبيات مقتصدة شديدة التركيز والأحكام من نوع «الأبيجرام»
8
المعروف في الغرب منذ عهد الإغريق. ومهما يكن الأمر فيبدو أن عددا كبيرا من الشعراء والفنانين الذين ستطلع على أعمالهم المشتركة قد تأثروا قليلا أو كثيرا بهذا التراث العريق عن العلاقة بين الشعر والرسم - بوجه خاص - ومع أن الشعر الحديث والمعاصر قد تطور وتعقد مثله مثل الرسم الحديث والمعاصر بحيث لم يعد كلاهما يسمح بتحديد مفهوم الشعر أو الرسم تحديدا تتفق عليه الآراء، فإن القصائد التي كتبها هذا العدد الكبير من شعراء العصر عن الصور واللوحات وأعمال النحت القديمة والوسيطة والحديثة تشهد شهادة كافية على «علاقة الرحم» التي تجمع الفنون ببعضها والشعر والرسم بوجه خاص
9 ...
نعم! ما أكثر ما ينظر الشعر بعينه إلى الفنون الأخرى ويستعير منها، كما تنظر هي أيضا إليه وتستعير منه! والأمثلة على هذه الصلة المتبادلة في الآداب المختلفة أمثلة كثيرة لا حصر لها، ويكفي أن نذكر هذا العدد القليل منها على صورة رءوس موضوعات لا يسمح المجال بالدخول في تفصيلاتها؛ وصف هوميروس لدرع أخيل في الإلياذة (النشيد 18، السطور من 478 إلى 608)، ووصف فرجيل في النشيد الثامن من الإلياذة لدرع إنياس (السطور من 478 إلى 608)، ووصف فرجيل في النشيد الثامن من (السطور من 625 إلى 721)، وصف دانتي «وحديثه المرئي» عن تمثال البشارة لمريم العذراء، وتمثالي داود وتراجان في النشيد العاشر من المطهر (أو الأعراف) من كوميدياه الإلهية، الموت المنتصر والموت المهزوم في فن الكلمة وفن التصوير في عصر الباروك، تصوير الأعمال الأدبية منذ العصور الوسطى والرومانطيقية إلى التكعيبية في عصرنا الحاضر في أعمال ديران وبيكاسو ودوفي، الصور التي رسمها شكسبير في مسرحياته، الصور الرمزية والشعارات «الإمبليمات» التي ارتبطت بنصوص شعرية وازدهرت في القرنين السادس عشر والسابع عشر بوجه خاص، قصيدة كيتس التي قدمناها قبل قليل عن الوعاء أو الزهرية الأفريقية بجانب قصائده التي كتبها متأثرا بلوحات تسيان وبوسان، الأبنية الرمزية والشكلية في شعر والت ويتمان ومشابهتها للأبنية الموسيقية، تأثير الفنون التشكيلية الحديثة، وبخاصة أعمال رودان وسيزان وباوكليه وبيكاسو على شبر «رلكه» المتأخر إلى حد التناظر في التعبير عن الشعور عنده وعند أولئك الفنانين، بجانب قصائده عن الكاتدرائيات، السمات التصويرية في التعبير الشعري لدى بعض الشعراء التعبيريين الألمان مثل جورج هايم، وجورج تراكل، وأرنست شتادلر، القالب السيمفوني في رواية هيرمان بروخ «موت فرجيل»، السمات القصصية في صور الفنانين السيرياليين كيريكو وماكس أرنست، قصائد «الفردوس غير المفقود» التي كتبها الشاعر الألماني أرنست شونفيزة لرسوم المصور والمثال إرنست بارلاخ على الحجر، مدرسة التصويريين في الشعر الإنجليزي والأمريكي الحديث التي تزعمها عزرا باوند، وبرز من أبنائها ت. س. إليوت، وكلاهما قد نهل من معين الحداثة (المودرنية)، أو بالأحرى الثورة المعرفية التي جاءت مع الفنون البصرية والتشكيلية الحديثة في النظرية والتطبيق وخصوصا مع التكعيبية والدوامية والسريالية، ناهيك بعد هذا كله عن اجتماع فنين في شخصية مبدعة واحدة مثل مايكل أنجلو، وفاجنروت. أ. هوفمان، ووليم بليك، وجبران خليل جبران، وجبرا إبراهيم جبرا، ورمسيس يونان، وحسن سليمان، وصلاح جاهين، وأحمد مرسي، وغيرهم ممن لا تحضرني الآن أسماؤهم. ومن الصعب أن نحصر عدد القصائد التي «وصف» فيها الشعراء لوحات الفنانين وصفا شعريا، وخصوصا لوحات الطبيعة كما صورها الفنانون الرومانطيقيون مثل كلود لوران «1600-1682م»، وسلفاتور روزا «1615-1673م». وأصعب من ذلك أن نحصر عدد القصائد التي استلهمت صورا ورسوما وتماثيل ونقوشا وأعمالا نحتية منذ العصور الإغريقية والرومانية حتى القرن العشرين الذي ازدهر فيه هذا الفن الشعري إلى حد مذهل، وساهم فيه شعراء كبار مشهورون وآخرون مبتدءون لم يكد يسمع عنهم أحد! والعكس كذلك صحيح؛ فعدد الفنانين الذين رسموا وصوروا قصائد لشعراء مشهورين - من هوميروس وفيرجيل ودانتي وشكسبير وملتون ولافونتين وجوته وبيرون وبودلير إلى الشعراء المعاصرين - عدد يفوق الحصر. وما أكثر القصائد التي ألهمت أكثر من فنان فلحنها مؤلف موسيقي، ورسمها رسام، وعبر عنها مثال! ويكفي أن نذكر قصيدة للشاعر الرمزي مالارميه (1848-1892م)، وهي قصيدة «عصر إله الغاب» التي صورها الرسام التأثيري مانيه، ولحنها الموسيقي التأثيري ديبوس، وحولها فنان الباليه نيجنسكي سنة 1912م إلى باليه ...
لو تركنا الفنون والفنانين وانتقلنا إلى النقد والنقاد لما وجدنا هؤلاء أقل حماسا أو اهتماما ببيان التقارب والتجاوب بين الفنون المختلفة والنقاش والجدل حول طبيعة العلاقة بينهما؛ فالشاعر والناقد الإنجليزي درايدن «1631-1700م» يكتب عن التوازي بين الشعر والرسم «1695م» مؤكدا أن الاستعارات الجريئة في الشعر تساوي الألوان القوية المتوهجة في الرسم، وأن التأثير الناتج عن بعض التشبيهات والكنايات وأشكال التعبير الشعري تشبه التأثير المنبعث من الألوان والظلال والأضواء على لوحة الرسام. وأديب الرومانطيقية وناقدها أوجست فيلهلم شليجل (1767-1845م) يطالب بترجمة الصور ترجمة شعرية، ويكتب عن بعض الصور الفنية مجموعة من السوناتات التي كان لها تأثير كبير على تطور قصيدة الصورة وإن لم تكن ذات قيمة أدبية كبيرة. والناقد الفني المعاصر «ماريو براز»
10
قد لمح صورة الشاعرين رامبو ولوتريامو - بجانب عالم التحليل النفسي فرويد! - في رسوم بيكاسو وسلفادور دالي، كما قارن بين الرسم السريالي وبين الأبيات التسعة التي تأتي بعد هذا البيت في قصيدة «إليوت» المشهورة «الأرض الخراب»، من الجزء الثالث الذي وضعه الشاعر تحت عنوان «موعظة النار»:
لقد زحف فأر في خفة بين المزروعات
وهو يجر بطنه الدبقة على الضفة،
Shafi da ba'a sani ba