فصاح السيد: ما أنت إلا غبي، كان يجب أن تلقي الموعظة عليهما معا في آن، أما أن تقتل المرأة ويعاقب الرجل، فقد ضيعت علينا فرصة عمل فريد.
فقال التابع بصوت متراجع النبرة والشعور: معذرة يا مولاي، ما أنا إلا مبتدئ عديم الخبرة في طريق الخير.
وتحول عنه والشرر يتطاير من نوافذه إلى من يليه، فقال: ذهبت إلى رجل تحسبه في حاجة إلى إغواء لا إلى موعظة، جذاب المظهر، نصف كلامه قرآن وحديث، حمال لا يفتر على الفساد والمنحرفين، متطوع كلما سنحت فرصة لإلقاء خطبة الجمعة، كثيرون يظنونه داعية، رغم وظيفته المرموقة، هائم زوار للبقاع المقدسة، أما خطاياه فهو قواد لكبار الفاسقين، وشحاذ مداح في رحاب الأمراء، وهو بعد ذلك خبير في المناقصات، ولولا أنني ذهبت إليه في زي خليجي لما أصغى إلي، ولكنني استطعت أن أهرب إليه موعظتي، وتجلت أمام عينيه صورته الحقيقية البشعة فاقتحمه الاكتئاب وراح يتبرع بالأموال الطائلة، حتى أحرج المستثمرين أموالهم في الخارج.
وقال السيد بارتياح: إنجاز متقن.
وجاء دور الرابع فقال: وقع في يدي رجل يدفع سيارة إلى الخلاء؛ ليغتصب فتاة مغلوبة على أمرها، ترتعد إلى جانبه. وجداني أطل عليهما من المقعد الخلفي على هيئة رياضي مفتول العضلات، ذعر الرجل، وتعلقت بي الفتاة، ولكنهما لم يلقيا مني إلا خيرا، كلمات طيبة مفعمة بالقوة الخفية عن الاستقامة، والاحتشام، والعفة، والشهامة، ثم رجعنا إلى العمار بسلام، وتفرقنا في وئام، وهما الآن يا مولاي مثالان للأدب، وموضوع طيب للعمل!
وتتابعت الحكايات عن تجار المخدرات، والمدمنين، والمهربين، والعملاء، ووحوش الغلاء، والإرهابيين، والمتطرفين، واللصوص، وقطاع الطرق .. وارتاح السيد لما سمع ثم تساءل: هل لديكم أقوال أخرى؟
فقال تابع متحمس: توجد مجالات أخرى للعمل؛ فلا يخلو نشاط من أزمة يمكن حلها من جذورها أو تخفيف وطأتها، فلا بد من جولات بين المسئولين!
فقال السيد: اسكت يا قصير النظر، إن اقتراحك يفضي بنا إلى خلق مجتمع صالح ومناخ نقي يتعذر علينا فيه إغواء أحد من البشر إلا بطلوع الروح، لنترك القلة الصالحة في صراعها مع الكثرة الفاسدة، ولندع الإصلاح في مسيرته المتمهلة؛ ففي ذلك عون لنا لا يصح أن نفقده.
وزفر بارتياح حتى ملأ الفراغ شررا وقال: يمكننا الآن أن نقول إننا تغلبنا على مشكلة البطالة، فهلموا إلى العمل.
طبقات السعادة
Shafi da ba'a sani ba