وقبل أن ننتقل إلى عرض آراء الغزالي -وهي التي عناها ابن العربي في ردّه على الصوفية بقانون التأويل- نودّ بيان حكم الإِسلام في هذه النظرية فنقول وبالله التوفيق:
لقد أخفق الفلاسفة في الدفاع عن النبوة بواسطة هذه النظرية وقد سئل عنها شيخ الإِسلام ابن تيمية، فخصص للإجابة عليها كتاب "الصفدية" (١) أعلن فيه أنها باطلة، وأن ما ورد فيها من كلام فهو كفر، ويذهب شيخ الإِسلام إلى أنه لا يجب أن يظن أن النبوة هي مجرد هذه الخصال الثلاث وأن من حصلت له فقد صار نبيًا، ذلك أن كثيرًا من آحاد المؤمنين تحصل له هذه الثلاث، بل وما هو أكمل منها، فتجعل له في نفسه قوة علمية، وتكون له في نفسه قوة عملية يكون بها مؤثرًا، ويحصل له إحساس باطن، أو مخيلة قوية، فيرى ويسمع في باطنه، وهو مع ذلك كله من آحاد المؤمنين، فمن جعل هذا حد النبي ومنتهاه، كان مبطلًا جاحدًا لحقيقة ما خص الله به أنبياءه (٢).
ولا يعني هذا أن ابن تيمية ينفي عن الأنبياء هذه الخصال الثلاث، ولكنه يرفض الاقتصار عليها وحدها، يقول ﵀:
"فنحن لا ننكر أن الله تعالى يخص النبي بقوة قدسية يعلم بها ما لا يعلم غيره، ولا ننكر أيضًا ما يمثله الله له إما في اليقظة وإما في المنام من الأمور الصادقة المطابقة للحقائق، ولا ننكر أيضًا أن الله قد يجعل في النفوس قوى يحصل بها تأثير في الوجود (٣)، ولكن دعوى المدعي أن معجزات نبينا أو غيره من الأنبياء هي من هذا الباب بهتان عظيم.
(١) طبع بالرياض في شركة مطابع حنيفة: ١٩٧٦ بتحقيق الدكتور محمد رشاد سالم.
(*) تنبيه: لأستاذنا المحقق العلامة الشيخ كمال هاشم نجا رد محكم على هذه النظرية لم يطبع بعد، وقد كتبه لطلبة السنة المنهجية لقسم الدراسات العليا الشرعية- فرع العقيدة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة.
(٢) الصفدية: ٢٢٩.
(٣) كالعائن مثلًا.