Ingila da Tashar Suways
إنجلترا وقناة السويس: ١٨٥٤–١٩٥١م
Nau'ikan
ولكن إسماعيل باشا لم يكن يرضى عن كل شروط الامتياز، وخاصة ما كان متصلا منها بالسخرة، فلم يكن ليرضى عن تسخير الفلاحيين المصريين، ورأى مقدار الخسارة التي تحل بمصر والزراعة من جراء ذلك، إذ مصر في ذلك الوقت بلد زراعي قبل كل شيء، فضلا عن أن تسخير الفلاحين المصريين بهذا الشكل يتنافى مع أبسط مبادئ الإنسانية.
واستغلت إنجلترا هذا الموقف الجديد لصالحها، فما كانت الحكومة الإنجليزية ترى أن تترك مسألة تسخير الفلاحين المصريين تمر بسهولة لصالح الشركة، فلقد أرادت انتهاز هذه الفرصة لإرهاق الشركة وعرقلة المشروع، إن لم يكن القضاء المبرم عليه.
لقد استغلت الحكومة الإنجليزية الحركة الإنسانية التي شملت إنجلترا كما شملت غيرها من الدول، لخدمة مصالحها الخاصة في مصر، لبث العراقيل أمام المشروع الفرنسي، فاستمرت الصحافة والرأي العام الإنجليزي في مهاجمة الفرنسيين لاسترقاق الشركة للفلاحين المصريين، ورأت الحكومة الإنجليزية في هذه الحركة وسيلة لحرمان الشركة من الأيدي العاملة التي تعتمد عليها، وأجاب فردنند دي لسبس على ذلك بأن المسألة كلها مفتعلة وليس فيها إخلاص، فلقد نسيت إنجلترا أن السخرة قد استخدمت في إنشاء الخط الحديدي من الإسكندرية إلى القاهرة، فعلى أي أساس تحتج الحكومة الإنجليزية الآن؟!
ولقد تابعت الحكومة الإنجليزية السير في خطتها، فزار السفير الإنجليزي في استامبول، سير هنري بولور، مصر في أواخر عهد سعيد باشا ليطلع بنفسه على أمور الحفر في القناة، وقبل كل شيء، ليرى ما إذا كانت الشركة الفرنسية تقيم تحصينات في منطقة القناة، وليعرف إلى أي حد يسخر الفلاحون المصريون في شق القناة، وربما بالغ سير هنري بولور في وصفه لبعض الأمور في منطقة القناة، وأبدى خشيته من أن تتحول المدن التي تنشأ في منطقة القناة إلى مدن ومستعمرات فرنسية، كما كشف عن تخوفه من إشراف الفرنسيين على هذه المنطقة.
وأشار في غير مبالغة إلى كثرة عدد الفلاحين الذين ينزعون من حقولهم قسرا، وينقلون في بعض الأحيان، وهم عشرات الألوف، إلى حيث يسخرون، ووصف سير هنري بولور قلة أجورهم، وسوء حالهم والبؤس الذي يعانون، والآلام التي يقاسونها، وكانت لآراء سير هنري بولور تأثير كبير على حكومة الباب العالي التي أسرعت من جانبها إلى مطالبة الحكومة المصرية بإلغاء السخرة.
وكذلك اتصلت الحكومة الإنجليزية بإسماعيل باشا نفسه، وبينت له الأضرار البليغة الناشئة عن تسخير الفلاحين، وأثر ذلك في الزراعة المصرية التي حرمت من جانب كبير من الأيدي العاملة التي تشتغل فيها؛ ولذا فإسماعيل باشا، وإن كان مؤيدا لإنجاز المشروع، إلا أنه كان يرى إلغاء الشروط التي لم تراع فيها حقوق مصر، فهو إذن يرمي إلى إلغاء السخرة في حفر القناة تؤيده إنجلترا في ذلك، وثانيا: هو يرى إلغاء امتلاك الشركة للأراضي الكبيرة التي أخذتها في منطقة القناة، فامتياز الأراضي يخول الشركة وضع جاليات أجنبية فيها لاستغلالها، وهذه الجاليات لها أن تتمتع بنفس الامتيازات التي يتمتع بها الأجانب في مصر، وكانت إنجلترا تؤيده في هذه الناحية لأنها تخشى أن تغدو هذه الأراضي مستعمرات فرنسية في منطقة القناة.
ولذا كان إسماعيل باشا يرمي من وراء إلغاء هذين الشرطين في الامتياز إلى مصلحة قومية، إلى رد اعتبار المصريين، ومعالجة نقص الأيدي العاملة في الزراعة، في فرصة لا بد من انتهازها، ولا سيما بعد قيام الحرب الأهلية الأمريكية، وزيادة الحاجة إلى القطن المصري الذي ارتفعت أسعاره ارتفاعا كبيرا، ثم إن إسماعيل باشا يطمح كذلك إلى إنشاء إمبراطورية كإمبراطورية جده العظيم، والجيش الذي يعتمد على الفلاحين هو أداتها الأولى، وإسماعيل باشا بعد ذلك قد أعلن صوته إلى جانب الحركة الإنسانية التي ترمي إلى إلغاء الرقيق، فكان عليه أن يقوم بمحاولة حاسمة لإلغاء تسخير الفلاحين في حفر القناة.
وأما إنجلترا فهي تهدف إلى منع الفرنسيين من إنشاء مستعمرات فرنسية لهم في مصر، وهي تريد في نفس الوقت توفير العدد اللازم من الفلاحين للاهتمام بزراعة القطن التي كانت مصانع إنجلترا في أشد الحاجة إليه نظرا لقيام الحرب الأهلية الأمريكية، لقد ربط الإنجليز بين مشروع القناة والرق. وحاولوا الخفض من شأن مشروع القناة لاتصاله بمسألة تسخير الفلاحين، وأفلحوا في إحداث كثير من القلق والاضطراب في دوائر شركة القناة.
وسرت إنجلترا للجفاء الذي ساء علاقة إسماعيل باشا بالقنصل الفرنسي العام دي بوفال، فذلك القنصل قد بذل كل جهد مستطاع في تأييد دي لسبس في كل ما قام به، وفي كل مطالبه من الحكومة المصرية بشأن القناة، ولم تحزن الحكومة البريطانية كثيرا لسحب الحكومة الفرنسية له من مصر، وكانت إنجلترا تبني كثيرا من الآمال على موقف إسماعيل بإزاء امتياز القناة، وترى في مطالب إسماعيل باشا بإلغاء السخرة وإرجاع ملكية الأراضي لمصر مسألة قد تؤدي إلى فشل المشروع الفرنسي وعدم إنجازه.
ولقد اعتقدت شركة القناة في وقت ما أن تفكير إسماعيل باشا الجدي في إلغاء السخرة وتأييد إنجلترا له ضربة قد تذهب بالمشروع كله، واضطربت لذلك دوائرها، وأخذت تفكر في تعديل سياستها إزاء العمال المصريين، ولقد وجدت الصحافة الإنجليزية في موقف إسماعيل باشا تأييدا لتشديد مهاجمتها لمشروع القناة، وفعلا انخفضت أثمان أسهم القناة، وساد الذعر بين المساهمين.
Shafi da ba'a sani ba