هل يوجد بالضرورة هذا الكائن الذي يملك الذكاء والقوة بهذه الدرجة العالية؟ لا بد أن هذا صحيح؛ لأن الكائن إما أنه منح الوجود من غيره، أو من طبيعته هو. لو أن الكائن منح الوجود من غيره، وهو ما يصعب تخيله، فيجب أن ألجأ إلى ذلك الآخر، وسيكون ذلك الآخر هو المؤلف الأول. أينما توجهت علي أن أعترف بمؤلف أول قادر وذكي، وهو كذلك بالضرورة بحكم طبيعته.
هل خلق هذا المؤلف الأشياء من العدم؟ لا يمكن تخيل ذلك؛ فأن تخلق شيئا من العدم يعني أنك تحول لا شيء إلى شيء. لا يجدر بي أن أعترف بخلق كهذا إن لم أجد أسبابا لا تدحض تجبرني على الإقرار بما لا يستطيع ذكائي أن يدركه أبدا.
كل ما يوجد يبدو أنه يوجد بالضرورة، طالما أنه يوجد، فإن كان لدينا سبب اليوم لوجود الأشياء فقد كان هناك سبب بالأمس، وكان هناك سبب دوما، ولا بد أن هذا السبب كان له دائما أثره الذي لولاه لأصبح سببا بلا جدوى خلال الأبدية.
لكن كيف تكون الأشياء وجدت دوما وهي بجلاء تحت يد المؤلف الأول؟ لا بد أن تلك القوة إذا كانت تعمل على الدوام بطريقة أنه ما من شمس دون ضوء، نفسها تقريبا، وكذلك ما من حركة دون كائن ينتقل من نقطة داخل المكان إلى نقطة أخرى.
لذلك هناك كائن مقتدر وذكي، فعل دائما، ولو أن هذا الكائن لم يفعل أبدا، فبماذا يكون وجوده أفاده؟
كل الأشياء إذا تعد انبثاقات أبدية من ذلك المؤلف الأول.
لكن كيف يمكن أن نتخيل أن الحجر والطين هما انبثاقات من الكائن الأبدي القدير الذكي؟
أحد احتمالين، إما أن مادة هذا الحجر وهذا الطين توجد بنفسها بالضرورة، وإما أنها توجد بالضرورة عبر هذا الخالق الأول؛ ما من طريق ثالث.
ومن ثم، هناك اختياران فقط أمامنا، فإما أن نقر بأن المادة أبدية بذاتها، أو بأنها حادثة منذ الأزل من ذلك الكائن الأبدي الذكي القدير.
لكن، سواء أكانت موجودة بطبيعتها هي، أم منبثقة من الكائن المنتج، فهي موجودة منذ الأزل؛ لأنها توجد، وما من سبب يفسر لم لم يكن من الواجب وجودها من قبل.
Shafi da ba'a sani ba