فجبهه السيد يحيى بهذه الكلمات: «يا ملعون، يا ابن الملاعين!»
فكشف الأعرابي عن صف من الأسنان كاللؤلؤ المنظوم. - وماذا يصير في الدنيا، يا ابن السعادين، لو فطست؟
فابتسم الأعرابي ثانية دون أن يفوه بكلمة. - وتضحك يا لعين. تضحك يا أبله البله، يا كلب البدو. لعنة الله عليك وعلى جدودك. خذ اشرب.
فابتسم الأعرابي ابتسامته الكبرى، ابتسامة العيد، وقبض على القربة بكلتا يديه، فشرب واشتف وحمدل، ثم مال بوجهه إلينا وقال: بأمان الله.
أما قسطنطين فكان يصرف بأسنانه، فقال للسيد بعد أن استأنفنا السير: «أما كان أجدر بك أن تسبه ولا تسقيه، أو تسقيه ولا تسبه، أو لا تخشى أن تعطش أنت ذات يوم في البادية، فلا تجد لا من يسقيك ولا من يسبك؟»
فأجاب السيد: «ما شاء الله كان، وما يشاء يكون. الله سبحانه وتعالى، أعطى اللعين الماء، وأنا، سبحاني، أعطيته ما يستحق.»
فأفحم قسطنطين وغلب. إن «سيده» لصاحب ذكاء ودعابة. وما كره أناس البدو كره السادة. وما كرههم أحد السادة كره هذا السيد؛ فقد استمر يقول: «البدو - البدو» ثم يبصق ويقول: «بعر الجمال خير من البدو، بعر الجمال يصلح للنار، والبدو لا يصلحون لشيء.»
كظم الشيخ «قسطنطين» ما أصابه من وقاحة «سيد السيارة» ثم أعاد الكرة عليه، وكان الحديث هذه المرة في السياسة، فسأله قائلا: «ومن هو في نظرك الوطني الأكبر في العراق؟»
فأجاب بصوته الجهوري الغلاب: «الوطني الأكبر؟ إه نا (أنا). والبرهان أني الوطني الأكبر، إني لست مثل أحد من الوطنيين. لا المال أبغي، ولا الوظيفة، لا أريد شيئا من الحكومة. إه نا أحب وطني مجانا لوجه الله.»
سكتنا جميعا، وجاء نسيم الصباح مع نور الشمس ينعش ما زعزعت ريح السيد من يقيننا ، ويداوي ما أصابنا من رياح الليل. فعاد إلينا شيء من حسن الظن بالكون، وبالسادة. •••
Shafi da ba'a sani ba