وهناك حلقة ظهرت في سلسلة الرواية كوميض البرق واختفت. وهي في نظري من أهم حلقاتها؛ لأنها جديدة فذة. أعني بها اختراع الآلة لإطفاء نار الجحيم. فإنك لتقف عندها معجبا بابتكار الشاعر، ومتوقعا أن يكون لاختراعه الأثر الأكبر في انتصار الثورة.
ولكن الشاعر نسي اختراعه على ما يظهر، فجاءت حربه في الجحيم كسائر الحروب، إلا أن السلاح فيها جبال من نار وبحور وبراكين.
عندما قرأت هذه القصيدة للمرة الأولى علقت في ذهني فكرة لست أدري كيف نشأت؟ إلا أن تكون النتيجة لإحساس طبيعي معقول، فختمت بالكلمات التالية ما كتبته عنها (باللغة الإنكليزية).
قلت في آلة الإطفاء: «إنه لاختراع عجيب، تسلح به أهل الجحيم على نيرانه، فاستحالت رمادا، الجبال منها والبراكين، والأودية والأنهار. وكان المدافعون عن الجحيم، وهم محرومون هذا السلاح، يقعون بالمئات، لا بل بالألوف، كعمد من الرمال تذريها ريح السموم. وكان رب السماوات يراقب من علياه تلك المعركة، فأشفق على جحيمه، وهو جزء مكمل لكونه، من الزوال، وعلى زبانيته من الاضمحلال. وكأنه سمع رئيس الزبانية يصيح: النجدة، النجدة! فأنجده، سبحانه وتعالى، بجيش من الملائكة الصناديد. «ولكن أهل النار الثائرين كانوا يحملون الآلات الإطفائية، فيقتحمون بها النيران، فتنطفئ في الحال، فيغيرون على العدو من خلال دخانها، وفوق رمادها، ويقتلونهم بالمئات والألوف. حتى إنهم كادوا يأسرون أمير الظلمات نفسه، فلاذ إلى العلم الأبيض، ولوح به يطلب السلم، ثم أمر جيش الملائكة المهزوم بأن يقف في تقهقره، ودارت المفاوضات بينه وبين الثوار، فقبل بشروطهم. بيد أنهم كملوا إطفاء نيران الجحيم فأمست قفرا يبابا. وركب كل واحد منهم بين جناحي أحد الملائكة، وصعدوا جميعا طائرين إلى الجنة؛ كذلك يقول الشاعر. فلا جحيم بعد هذه الثورة في الجحيم!»
فهل أنا مخطئ في هذا التحوير للقسم الأخير من القصيدة، أو فما كان ينبغي للشاعر أن يختمها؛ كذلك؟ وإلا فما معنى الاختراع إذا كان لا ينتفع به؟
أما روح الشاعر، تلك الروح التي تتجلى في القصيدة، فهي تشعل على شواطئ الشك والتهكم أنوار العقل والعدل والحب الإنساني. وهي في ما لا يدركه العقل، ولا يستقيم عنده ميزان العدل، تعتصم بالحب الذي يجعل كل ما يلمس عدلا وجمالا، إن كان في حياتنا الدنيا أو في الآخرة.
معروف الرصافي.
أحب صراحتي قولا وفعلا
وأكره أن أميل إلى الرياء
فما خادعت من أحد بأمر
Shafi da ba'a sani ba