فقال لها: «ما معنى هذا العمل يا برنغاريا؟» فقالت: «اصرف هذا الرجل (تريد به السياف) من هنا؛ لأنني ارتعبت من منظره.» فقال له الملك: «ما يوقفك هنا؟! اذهب حالا.» فقال السياف: «ماذا يأمر الملك أن نفعل بالجثة؟» فقال: «ادفنوها دفنا.» فخرج السياف والتفت الملك إلى الملكة وقال لها: «ثم ماذا تطلبين؟» فلم تفه بكلمة.
وكان الملك ريكارد من المشهورين بحب الجمال المستعبدين لرباته، فنظر إلى زوجته فرأى وجه ملاك منطرحا على يده، فرق لها قلبه، وأي رجل يرى وجها جميلا كوجه برنغاريا منطرحا على يده يمزج القبلات بالدموع ولا يرق له ولا ينعطف إليه؟! فقبلها في جبينها، وقال لها: «ماذا تطلبين يا مالكة فؤادي؟» فأجابته: «إني أطلب العفو يا مولاي.» فقال: «عمن تطلبين العفو؟» فقالت: «أولا عن تجاسري على الدخول بدون أمرك.» فقال: «أتعدين دخولك تجاسرا؟! أويحق للشمس أن تطلب العفو إذا دخلت أشعتها منازل الناس؟! ولكن لم يكن المحضر مناسبا لحضورك فيه، ولا كنت أريد أن تخاطري بحياتك وتدخلي خيمتي وأنا مريض.» فقالت: «أراك قد شفيت من كرم المولى.» فقال: «نعم ، قد شفيت وصرت قادرا أن أخطف روح كل من لا يقول إنك أجمل امرأة في الدنيا.» فقالت: «إذن لا تبخل علي بحياة شخص واحد.» فعبس قليلا ثم قال: «حياة من؟» فقالت: «حياة هذا الفارس الاسكتسي التعيس.» فقال لها: «إليك عنه يا امرأة، فلا بد من قتله الآن.» فقالت: «سيدي وحبيبي، إن هي إلا قطعة من الحرير فأنا أنسج لك واحدة غيرها بيدي وأرصعها بكل جوهرة من جواهري وأغسلها بدموع الشكر لكرمك.» فأوقفها عن الكلام وقال لها: «إنك لا تعلمين ما تقولين، فإن كل جواهرك وكل جواهر المشرق لا تقابل ذرة من العار الذي لحق بشرف إنكلترا، وكل دموع النساء لا تغسل العار الذي لحق بشرف زوجك، فاذهبي واعرفي قدر نفسك؛ فإننا نقضي الآن أعمالا واجبة لا دخل للنساء فيها.» فقالت: «أسمعت يا جوليا؟! ألم أقل لك إننا نهيج غضبه؟»
فتقدمت الأميرة جوليا وقالت: «أنا نسيبتك أيها الملك، أتوسل إليك أن تصغي إلى صوت العدل، لا إلى صوت الرحمة، وصوت العدل تسمعه آذان الملوك في كل زمان ومكان.»
فقام الملك وجلس في سريره وهو يقول: «إن ابنة عمنا تتكلم كما يليق ببنات الملوك، وكما يليق بالملوك نجيبها.» وكان في منظر الأميرة جوليا من الهيبة والجلال ما يدهش كل من ينظر إليها، ولو كان ريكارد قلب الأسد. قال ذلك وتوقف عن الكلام رغما عنه. فقالت: «مولاي، إن هذا الفارس الذي أنت عازم أن تسفك دمه قد حارب حرب الأبطال في هذا الجهاد، ولم يتغاض عن واجباته إلا لأن شركا قويا نصب له ورسالة مزورة أرسلت إليه باسم فتاة - ولماذا أخفى اسمها؟! - باسمي أنا، وأي فارس من فرساننا لا يفعل ما فعل من أجل فتاة في عروقها دم بلنتجنت،
1
وإن لم يكن فيها شيء تفتخر به غير ذلك؟!»
فعض الملك شفتيه من شدة الغيظ وقال: «أورأيته يا جوليا؟» فقالت: «نعم رأيته، ولم آت إلى هنا لأبرر نفسي ولا لأستذنب غيري.» فقال: «وأين رأيته؟» فقالت: «في خيمة جلالة الملكة.»
فصرخ الملك قائلا: «في خيمة الملكة؟! يا للوقاحة ويا للعار! إني قد رأيت وقاحة هذا الفارس وطموح أبصاره إلى ما يعلو عنه علوا كبيرا، فغضضت الطرف وقلت هي الشمس فلا نحرمن المخلوقات من نورها. أفتقابلينه في الليل في خيمة الملكة وتتجاسرين أن تقدمي ذلك عذرا له؟! فوتربة أجدادي لأجعلنك تندبين هذا الفعل حياتك كلها في دير من أديرة الراهبات.»
فقالت: «مولاي، يهون علينا أن تصاب جسومنا وتسلم أعراض لنا وعقول. وأنا لم يمس شرفي بشيء، ومولاتي الملكة قادرة أن تثبت ذلك إذا شاءت، ولكنني قد سبقت فقلت إنني لم آت لأبرر نفسي ولا لأستذنب غيري، وإنما أطلب منك أن تعامل هذا الفارس بما ستطلب يوما ما أن تعامل به في محكمة العدل الإلهي.»
فقال الملك: «أهذه جوليا بلنتجنت؟! أهذه جوليا الحكيمة النبيلة أو عشيقة تفتدي عشيقها بحياتها؟!»
Shafi da ba'a sani ba