Kahira
القاهرة: نسيج الناس في المكان والزمان ومشكلاتها في الحاضر والمستقبل
Nau'ikan
تحويل المنطقة إلى منطقة مشاة فقط. (3)
عمل نفق لانسياب الحركة من الأوبرا والعتبة حتى طريق صلاح سالم.
وهدم مشيخة الأزهر عمل هدام فعلا، صحيح أن هناك بناية جديدة أنشئت للمشيخة إلى جوار دار الإفتاء، لكن لماذا الهدم؟ لقد شاهد غيري كثيرون أن الأجزاء القديمة من المدن الأوروبية - وهي أحدث بكثير من القاهرة الفاطمية المملوكية - يحافظون عليها مهما كان الشارع ضيقا؛ لأن هذه أبنية تراثية.
وأعتقد، وكثيرون غيري، أن مبنى المشيخة الحالي هو من المعمار الإسلامي الراقي قارب عمره على مائة عام، وربما لا يستطيع صناع زماننا تقليده إلا بتكلفة عالية. لكننا، فيما يبدو، نستسهل الهدم دون تحري الواقع، وأخيرا صدر قرار عال بمنع هدم هذا المبنى؛ فكفى المؤمنين شر القتال.
الاختناق المروري الحالي في منطقة الأزهر يعود إلى أسباب أخرى غير وجود مبنى المشيخة. أول هذه الأسباب توجد فينا كسائقي سيارات خاصة أو عامة أو نقل، خلاصته: عدم الالتزام بقواعد المرور وآدابه، وتداخل سيارات مستهلكة في مجرى المرور، وهي لن تجد حلا إلا بجدية تطبيق القانون والملاحقة بالقوة الجبرية على كل الناس بغض النظر عن قوة الانتماء.
السبب الثاني هو وجود مجموعة من الأبنية المتنافرة معماريا وماديا وحضاريا مع روائع الأبنية التراثية. فالنازل من الدراسة إلى الميدان يجد على يمينه مباني متهالكة متنافرة مع بعضها، زادها تنافرا وتشويها المحال والدكاكين التي تقيم نشاطا في مساحات قزمية لا تصلح لشيء مهم. هذه المتهالكات ورواد دكاكينها تضيق الخناق على حركة المرور القادمة من صلاح سالم وشارع المنصورية الموازي له والقادم من العباسية الشرقية. لن نخسر كثيرا بإزالتها، لعل ذلك يؤدي إلى تحسين قيمة العقارات مساحة وبناء، والقادم من العتبة يرى عمارات تغطي على أبنية وكالة الغوري وجامع «أبو الدهب»، فإذا أزيلت هذه العمارات الثلاث غير المنسجمة معماريا فإنه سوف ينكشف ميدان فسيح من جامع الغوري إلى الأزهر، به مجموعة أبنية تعود إلى نحو خمسة قرون وأكثر؛ هي تحفة للناظرين ودرس معماري للدارسين وعشاق الفنون الإسلامية الشرقية. هذا فضلا عن انكشاف منظر الأزهر الشريف بعد عمليات التجديد والصيانة الحالية.
أما مبنى المشيخة الحالي، فيمكن تجديده وتحويله إلى غرض من الأغراض الثقافية؛ كأن يصبح مقرا لمكتبة القاهرة الإسلامية، أو أن يصبح متمما لمكتبة الأزهر، وبعبارة أخرى: يتحول إلى مركز علمي إسلامي.
فإذا نال مبنى المشيخة الحالي بعض الصيانة، وأضيفت مجموعة نافورات صغيرة تتوسط أحواض ورود ورياحين، وأشجار ظل تقي المشاة وهج الصيف وحره، وأزيل السور الحديدي القبيح، فسيكون لدينا ميدان فسيح جدا يمتد بين جوامع: الغوري والأزهر والحسين، يجمع روائع المعمار الإسلامي من تواريخ وعصور مختلفة، تبدأ من ألف عام إلى مائة عام، يمكن أن يتفوق على الميادين الكبيرة في مدن إسلامية، مثل: «ميدان شاه» في أصفهان أو ميدان «راجستان» في مدينة سمرقند بجمهورية أزبكستان، والذي يوصف أحيانا بأنه أنبل ما صنع المعمار البشري من توافق وانسجام، ويجب أن يصاحب هذا تحويل المنطقة للمشاة.
هذا العناء كله ليس فقط من أجل الآثار، بل من أجل نزهة المشتاق إلى أيام زمان. فغير خفي الجذب الذي يشد الناس إلى سهرات الأجداد على الشاي والشيشة والبليلة والكباب في رمضان وغير رمضان، أبقاها الله مع الدعوة إلى تحسين أساليب استضافة الناس في المقاهي والمطاعم، ونظافة الدروب والسكك والخانات.
ويمكن تحويل المنطقة إلى منطقة مشاة فقط ، بتنفيذ أسلوبين مكملين لبعضهما لكي نعطي للتخطيط الجديد عمقا زمنيا مستقبليا.
Shafi da ba'a sani ba