347

Kahira

القاهرة: نسيج الناس في المكان والزمان ومشكلاتها في الحاضر والمستقبل

Nau'ikan

وفي بلاد العالم بما فيها نحن، قوانين ولوائح وضوابط لكبح هذه الجاذبية القوية، وتيسير انسيابها في اتجاهات محددة. كأن توضع حدود لاقتراب المباني من حرم الطريق، أو أن يحدد شكل الطريق ومواصفاته المناسبة لوظائف الأحياء أو المدن أو القرى التي يخدمها.

ومثل هذه التشريعات والقوانين هي أشد صرامة بالنسبة للأوتوسترادات بحيث يصبح الطريق أشبه بالطريق الحديدي؛ فله حرم عريض، ولا تبنى عليه مباشرة أية منشآت عمرانية أو صناعية أو تجارية أو إدارية إلا على مسافة تتجاوز نصف الكيلو متر أو أكثر، وذلك من أجل المحافظة على وظيفتي السرعة والأمان المروري، وهما الهدف من إنشاء مثل هذه الطرق السريعة، وإلا كأننا ننفق الأموال الطائلة؛ لنهدرها بعد قليل نتيجة التراخي في تنفيذ القوانين!

أوتوسترادات مهدرة

إن إهدار قيمة الطرق السريعة في مصر هو واقع مؤلم، فننظر إلى أوتوسترادات القاهرة الكبرى لنرى كيف أصيبت بكل العلل التي أردنا تجاوزها بإنشاء هذه الطرق. فالأوتوستراد الزراعي اختنق بين شبرا وشبرا الخيمة وقليوب وطوخ اختناقا بلا صحوة، وأوتوستراد حلوان رحل كنظيره الزراعي تائها بين غابات من عماليق الأبراج في المعادي، واختلاط الحابل بالنابل بين المساكن المحشورة وسط المصانع والمخازن والورش في دار تسمى بالسلام أو حدائق حلوان، أو ذلك النمو العشوائي فوق ما خطط له في مدن العمالة في حلوان والتبين ومايو وطرة، وكل ذلك مليء بالمفارقات والعجائب من متلفات أوزون، ومذهبات صحة! وحتى الأتوسترادات الصحراوية أصابتها شيخوخة مبكرة! فإذا كانت هناك حجج ومعاذير لاختناق الطريق الزراعي أو حلوان أنهما يمران بمناطق معمورة من قبل، وأن هذا المعمور نما وانتفخ فوق التشريعات إلى أن استسلمت البلديات والمحافظات، فما هي الحجة بالنسبة لطرق الصحاري؟

الالتزام هو التصرف الحضاري

هناك دعوة أن نكون أناسا حضاريين، وأن نتصرف بما أضفته علينا مواريثنا الحضارية لآلاف السنين، ولكنها دعوة لم تخرج إلى حيز الممارسة في أشياء كثيرة، وواحد من أدلة التصرف الحضاري هو الالتزام بالقوانين والتنظيمات سواء كان هناك رادع عقابي أو لا يوجد، ونحن ما زلنا بعيدين عن مثل هذا الالتزام، وخاصة بالنسبة لقوانين البناء وخطط التنمية. فطريق الإسكندرية الصحراوي لم يعد صحراويا إلا بالكاد؛ الملايين يتحركون عليه، وكل عام يرون من الصحراء جزءا متناقصا، وهذا شيء مفرح تنمويا، لكن العمران السكني والخدمي المحاذي للطريق قد حوله إلى طريق زراعي آخر في قسمه الشمالي، وسوف يتم الخناق بالنمو المتسارع لمدينة العامرية الصناعية، وربما يحدث اختناق آخر في القسم الأوسط إذا ما تذكر أحد مدينة السادات وأيقظها من خمولها. وفي القسم الجنوبي امتلأ الطريق عند «أبو رواش» وما حولها بالمخازن والورش والمزارع الخاصة أو تلك التي في طور الإنشاء.

أوتوستراد الإسماعيلية

أما هذا الطريق الذي أنشئ في الأصل كطريق استراتيجي من القاهرة إلى منطقة القناة؛ فإنه يتحول الآن إلى مصير كافة الطرق السريعة المصرية. فالمدخل القاهري في طريقه إلى الاختناق السريع نتيجة الورش والمصانع والمدن السكنية المتعددة، وكان بالطريق غابة لعلها كانت حزاما أخضر فيما مض، لكن المصانع احتوتها، ولم يعد باقيا سوى بقايا يسيرة حزينة تائهة في غير محيطها، فهل يمكن الحفاظ على البقية الباقية والعناية بها؟ أم أن حاجة الوزارات - أو الهيئات التي تملكها - إلى المال سوف يسلمها إلى مصير محتوم؟! ولحسن الحظ أن الجانب الأيمن من الطريق يسير موازيا لخط حديد السويس، وبينهما مباني منشآت أمنية قديمة، وهذه الأبنية ذات الحركة المحدودة نسبيا قد ساعدت على الحفاظ على قدر من السيولة المرورية على الطريق، والأمل أنه في حالة التفكير في نقل هذه المنشآت ألا تباع الأرض لأغراض البناء السكني كما حدث في حالات مماثلة. بل تتحول أماكنها إلى جنة خضراء للترفيه أو إقامة أندية ومناشط شبابية لاستيعاب حركة الشباب جنبا إلى جنب مع مدارس تحتاجها هذه المنطقة التي نمت فيها مدن عشوائية أو مخططة، وفوق هذا فهذه المنطقة تقع في حرم مدرج المطار من جهته الغربية تقريبا، وحرام أن نحيط المطار بالأبنية والمدن كما ذكرنا من قبل.

أحمال فوق أحمال على الطريق

وعلى هذا الطريق أيضا أنشئ مؤخرا مبنى للتجنبد المركزي والسوق المركزية في العبور ومدينة السلام والهايكستب والشروق ... إلخ. لكن أكبر هذه المدن، وربما أكثرها احتياجا للحركة على الطريق هي مدينة العاشر من رمضان؛ تلك المدينة الصناعية التي بدأت الآن مرحلة الانطلاق. إن نمو الصناعة في العاشر يؤدي إلى مزيد من الضغط على الطريق. فهل هناك حسابات لطاقة تحميل الطريق لعجلات تجري بالخامات، وتعود بالسلعة المصنعة في اتجاه القاهرة؟ ويعرف الناس أن هناك حركة أخرى يومية للعمالة التي تسكن القاهرة وبلبيس صوب العاشر، بينما القطاع السكني في العاشر ما زالت نسبة إشغاله دون المتوسط، كما أن جانبا من السكان المقيمين لا يرتبطون بعمل في مصانع المدينة، ويعرف المختصون أيضا أنه لا توجد مدينة مخططة من الألف إلى الياء كالعاشر يخترقها الأوتوستراد! ففي شرق الأوتوستراد المصانع، وعلى الجانب الآخر الحي السكني، دون أن تكون هناك أنفاق أو جسور للراكبة والراجلة تؤمن حركتهم، وتضمن للأوتوستراد وظيفته في النقل السريع الآمن. ومؤخرا وبعد نحو 20 سنة أقام المسئولون كوبريين علويين لتأمين حركة الأتوستراد وتأمين الحركة بين المصانع والمساكن. والنموذج الأمثل لمثل حالة العاشر أن المدينة بقسميها السكني والصناعي تنشأ معا على جانب واحد من الأوتوستراد، ويفصل القسمين طرق خدمة للحركة الدائبة للمدن.

Shafi da ba'a sani ba