Kahira
القاهرة: نسيج الناس في المكان والزمان ومشكلاتها في الحاضر والمستقبل
Nau'ikan
على الرغم من أن معظم المماليك ينتمون إلى شعوب تركية أو شركسية وما إلى ذلك من المجموعات خارج مصر، فإن ذلك لم يمنع وجود مماليك من السمر؛ نتيجة التزاوج بالرقيق الزنجي، أو مماليك من أصل مصري ترقوا في الفنون العسكرية. كما أن تكوين المماليك كقوة عسكرية للسلاطين والأمراء لم يكن قاصرا عليهم، وإنما كان بمقدرة الأغنياء من التجار أن يكونوا لأنفسهم مماليك كقوة تحميهم من المخاطر. ويثار جدل حول أصول المماليك بوصفهم أرقاء وبعضهم من أصل مسيحي أرمني وسلافي وبلقاني. لكنهم بفضل تربيتهم الدينية والعسكرية كثيرا ما كانوا يعتقون، ويظهرون مهارات مدهشة في تكوين الدولة وتنظيمها، وحماية العالم الإسلامي من غزوات الصليبيين والمغول، وإرساء قواعد الازدهار التجاري ببناء الأساطيل العسكرية والتجارية التي تجوب البحر المتوسط والأحمر والمحيط الهندي.
ومن حيث المفهوم العام لمعنى مملوك، سواء في هذا مملوك لسلاطين وأمراء أو تجار أغنياء، تجد منهم من يصبحون من العلماء، مثل: ياقوت الحموي والحسن بن الوزان، وبعضهم قواد عظام، مثل : جوهر وبيبرس وقلاوون والغوري، أو منظمين متميزين، مثل: بدر الجمالي وقره قوش. ولكن تنشئتهم العسكرية جعلت غالبيتهم أداة حرب مقومها الفلسفي هو القوة لتحقيق الهدف؛ لهذا كانوا كثيري التنافس والحرب فيما بينهم من أجل الوصول إلى منصب أو وظيفة ذات قدر مالي اجتماعي، أو الوصول إلى السلطنة ذاتها. وفي فترة الحكم العثماني كان التناحر بينهم كبيرا على منصب شيخ البلد، أو بما يعني: كبير المماليك الذي كانت سطوته أعلى من سطوة «الباشا» ممثل السلطان العثماني في مصر، وسلطاته تكاد ألا تتجاوز أسوار القلعة إلا قليلا. وقد كانت تلك أواخر زمن قوة المماليك السياسية والعسكرية التي قضى عليها محمد علي بالكثير من الدهاء والسياسة والقسوة. ونحن نرى الآن في «مذبحة القلعة» شيئا منافيا للأعراف، لكن هكذا درج المماليك على مثل هذا الشيء من القسوة في تصفية بعضهم البعض، ومن ثم فقد كانت المذبحة جزءا من خلقيات المماليك لفترة طويلة، فقد عاشوا بالسيف وماتوا به أيضا، وحكمنا الحالي على المذبحة ينطلق من منظور فلسفي غير منظورهم وفلسفتهم.
وقد كان المماليك أساسا قوة الفرسان، التي تمثل في الحروب البرية الحالية المدرعات التي تشق الطريق إلى بقية أفراد الجيش؛ ولهذا فقد كانت الجيوش في العصور الوسطى من الفاطميين إلى المماليك والعثمانيين تتكون من المشاة والطوبجية (المدفعية)، وغالبا ما كان الجيش يتكون من عدة مجموعات إثنية من البربر والسودانيين وغيرهم من الأكراد والترك والبدو ... إلخ. وقد حدثت منافسات شديدة في وقت السلم بين هذه المجموعات أدت إلى اقتتالهم فيما بينهم، وخاصة في العصر الفاطمي وأوائل فترة حكم صلاح الدين، وآخر هذه التشكيلة من الجنود كانت في أوائل حكم محمد علي بين الأرناءوط والترك والمماليك، انتهت بإقصائهم والقضاء عليهم جميعا، وتكوين جيش ثابت قوامه الأساسي من المصريين.
وهذا الجيش المكون من أبناء مصر هو الذي صنع أمجاد مصر في الصحراء العربية والمورة والشام والأناضول، ولخطورته كانت واحدة من أهم نصوص اتفاق محمد علي والدولة العثمانية - بتأييد بريطانيا للعثمانيين بصفة خاصة - على تخفيض عدد الجيش المصري إلى حد كبير.
العلماء
ظل للعلماء شأن كبير في حياة مصر منذ قدوم الإمام الشافعي وعدد من آل البيت النبوي الشريف، وحيث إن العلم في ذلك الأوان كان مرتبطا بالدعوة الإسلامية، وتعليم أصول الدين والمعاملات والقضاء، فقد كان العلماء مرتبطين دائما بالجوامع الكبرى: عمرو والأزهر.
وقد لعب العلماء أدوارا مهمة في حياة القاهرة السياسية، سواء في ذلك علماء الشيعة في العصر الفاطمي، أو علماء مذاهب السنة الأربعة بعد ذلك. فمما لا شك فيه أن مراسيم إعلان السلاطين كانت تصدر عن مجمع علماء الأزهر ، وكانت لهم يد طولى في تأييد أو إنزال الولاة العثمانيين، وآخرها كان موقفهم من هؤلاء الباشوات فترة الصراع بين محمد علي وبين الوالي، وانتهت بنزول السلطان العثماني على إرادة العلماء بتعيين محمد علي واليا على مصر.
ولكن أهم ما نعرفه كان موقف العلماء من الحملة الفرنسية التي لم تجد بدا من الاعتراف بهم كقوة سياسية دينية؛ فأدخلت بعضهم في المجلس الأعلى للحكم في مصر.
ومن الأسماء التي ترددت كثيرا في أواخر ق18 وأوائل عصر محمد علي في هذا المضمار الشيوخ: المهدي، والشرقاوي، والعطار، والسادات، و«نقيب الأشراف» السيد عمر مكرم الذي وقف مناهضا لسلطات محمد علي فنفاه إلى دمياط.
وليس العلماء هم رجال الدين فقط، بل كان هناك من العلماء آخرون متفقهين في علوم الدين والدنيا، مثل: ابن خلدون الذي عين قاضي القضاة فترة وجوده في مصر إلى أن توفي بها، والجبرتي صاحب الرأي السياسي ابن الشيخ حسن أحد علماء الأزهر.
Shafi da ba'a sani ba