فتوقفت الفتاة عن المسير، ورمقته بعين داهشة، وتبينها على ضوء الطريق فوجدها شديدة السمرة، كاعب الثديين، فاضطربت أنفاسه، وحدجها بعين نمر مفترس ... وأفاقت الفتاة من دهشتها، فسألته باستهانة: ماذا رأيت؟
فأجاب محجوب وعيناه تقولان لها «برح الخفاء»: شجرة التين ... البواب ...
فسألته بنفس اللهجة الدالة على الاستهانة: وماذا تريد؟
فقال بصوت مضطرب: مثله. - أين؟ - ليكن نفس المكان.
فدارت على عقبيها، ولكنها قالت قبل أن تهم بالمسير، وبصوت يدل على الإنذار: ثلاثة قروش!
فغمغم بارتياح: جميل.
ثمن زهيد لا تنوء به ميزانيته والفتاة لا تخلو من ثدي كاعب. بيد أنه يرجو أن تكون سمرتها القاتمة لونا طبيعيا لا ترابا متلبدا، وما عليه بعد ذلك إلا أن يتحمل الرائحة الكريهة المنبعثة من جسدها. لا بأس؛ فشيء خير من لا شيء. وهل ينسى أنه نفسه لم يكن يستحم - في القناطر - إلا في المواسم؟ بل إنه ليتساءل: ألا يسوي الظلام بين النساء جميعا؟ وسألها وهما عائدان: ألك عهد طويل بالبواب؟ - كلا. هذه أول ليلة. - ألم تتواعدا مرة أخرى؟ - كلا.
فقال محجوب بارتياح: ولكن لن تكون الليلة آخر ليالينا.
فتمتمت وهي تثبت الخمار على رأسها: وجب. •••
وكان الظلام يبتلع الكون، وما زال بموقفه من النافذة ينتظر موعد صاحبته، ثم سمع نقرا على الباب، فدلف منه وفتحه، فرأى بواب الدار يلوح له بخطاب، وأخذ الخطاب ورد الباب، وألقى على الظرف نظرة سريعة فرأى ختم القناطر، ثم لاحظ بسهولة أن الخط غير خط أبيه، فمن عسى أن يكون كاتبه؟ إنه يرى ذلك الخط أول مرة ...
Shafi da ba'a sani ba