ولكن اعترض كثيرون على الاقتراح أن يلهيهم عن صفوهم، وعادوا إلى السمر، وانتبه محجوب من أفكاره على صوت الأستاذ حسني شوكت وهو يقول: كيف لا يكون أمرا خطيرا؟! ... إن نجاح الحزب النازي في الوصول إلى الحكم أمر جد خطير.
فقال أحمد عاصم: ولكن شخص الرئيس هندنبرج حقيق بأن يبتلع هتلر. - انظر إلى الأفق، ألا ترى أن هتلر في عنفوان الشباب والرئيس في نهاية العمر؟ - إذن سيتمخض الغد عن حرب ضروس ... - كلام معقول، بيد أن فرنسا لا تتريث حتى تستعيد ألمانيا قوتها وتجمع للانقضاض عليها، وهنالك حلقة محكمة حول ألمانيا من البلدان الموالية لفرنسا كبولندا وتشيكوسلوفاكيا والبلقان، ولا تنس أن إيطاليا العظيمة تعد نفسها حامية النمسا؛ فما هو إلا أن تتصافح هذه البلدان، وربما انضمت إليها روسيا، فتضيق الحلقة الفولاذية رويدا رويدا حتى تخنق ألمانيا في النهاية، وتقضي عليها القضاء الأخير ...
وإنجلترا ؟ ... هل تتغاضى عن خنق ألمانيا؟ - ولم لا؟ - إنجلترا أمكر من أن تترك فرنسا - أو غيرها - تسيطر على القارة الأوروبية.
أصغى محجوب إلى الحديث باهتمام، وكان على اطلاعه الواسع على السياسة الداخلية عظيم الجهل بالسياسة العالمية، فاقترح على نفسه أن يعنى بمعرفة الأخبار الخارجية حتى لا يفوته الكلام فيها إذا لزم الأمر، وتظاهر بتأمل القمر والغياب عما حوله حتى لا يلاحظ أحد صمته، فغاب حقا عن الحديث دقائق، ولما عاد بوعيه إلى الجلوس وجد الحديث قد طرق الأحوال الداخلية دون أن يدري كيف، وسمع بعضهم يقول: أما مصر فيستطيع أي حاكم أن يستبد بها دون كبير خطر. - الواقع أن أي نظام من أنظمة الحكم يستحيل ديكتاتورية إذا طبق في مصر. - هذا وطن «ضربك شرف يا أفندينا» ...
وقال أحمد عاصم بلهجة اليقين: لن تظفر مصر باستقلالها أبدا ... - استبدت بها عادة الحكم الأجنبي!
فضحك عفت وقال: وما حاجة مصر إلى الاستقلال؟ أما الزعماء فيتعاركون على الحكم، وأما الشعب فغير أهل للاستقلال.
ووجد محجوب الفرصة سانحة ليقول قولا «أخلاقيا»، وليحدث لنفسه سمعة إيجابية؛ الأمر الذي أجمع على تحقيقه حين فكر في الاشتراك في جمعية الإخوان المسلمين، فقال مبتسما: ألا يسوءك أن تقول هذا القول عن قومك ...؟!
فضحك عفت مرة أخرى، وقال بصوت مرتفع: لا تجري في عروقي نقطة دم مصرية واحدة.
وأحدث قوله عاصفة من الضحك، أما محجوب فتضاعف مقته له، لا غضبا لوظيفته، ولكن ثورة لكبريائه، وذكر خطبة رنانة ألقاها والد عفت في مجلس الشيوخ، فظن أنه قبض على عنق الشاب، وقال بلهجة الظافر: فما قولك في خطبة الباشا والدك في مجلس الشيوخ، عند مناقشة الميزانية، التي دافع بها عن الفلاح دفاعا وطنيا مجيدا؟!
فقهقه عفت وقال كالساخر: هذا في مجلس الشيوخ، أما في البيت فكلانا متفق - أنا ووالدي - على أن أنجع سياسة مع الفلاح هي السوط.
Shafi da ba'a sani ba