فقال محجوب مبتسما بخبث: النائب الذي ينفق مئات الجنيهات قبل أن ينتخب لا يمكن أن يمثل الشعب الفقير، والبرلمان في ذلك شأنه شأن المؤسسات الأخرى. انظر إلى قصر العيني مثلا؛ فالاسم مستشفى الشعب الفقير، وبالفعل حقل تجارب لإجراء اختبارات الموت على الفقراء ...
فقال علي طه بهدوء: السخط شعور مقدس، أما اليأس فمرض، ومهما يكن من أمر فالبرلمان بحيرة تلتقي فيها جداول متباينة المصادر، لا محيد عن أن تمتزج أمواهها، وينشأ عنها نبع جديد ...
فابتسم محجوب ابتسامة مرة وتمتم: تعجبني هذه الأسماء؛ أحمس والهكسوس، منفتاح واليهود، عرابي والجراكسة!
فقال مأمون رضوان ضاحكا: أعجب شيء أن طه شيوعي بناء بينما أنت مدمر ... أنت أحق الناس بلقب فوضوي.
فقهقه محجوب حتى سعل وقال: نحن نشق على أنفسنا أكثر مما ينبغي، كأن هذه الحجرة مسئولة عن رفاهية الدنيا ...
فقال علي طه: سوف تصغي جدرانها إلى آمال الأجيال المتعاقبة ما دامت حجرة للطلبة ...
فقال مأمون رضوان باهتمام متسائلا: هذه الحجرة معمل تفريخ، فما الخطوة التالية؟
فقال محجوب بسرور شرير: السجن إن كنا من الصادقين!
ثم ذكر الهموم التي جاء بها من القناطر ففقد حماسه للحديث، ونهض مستأذنا في الانصراف بتعب السفر، ومضى إلى حجرته، وجلس إلى مكتبه الصغير محزونا متفكرا: إذا انتهى يناير انتهت معه «رفاهية» حياته الراهنة! أجل بدت له هذه الحياة فيما مضى جحيما، ولكنها إلى ما ينتظره من حياة الغد نعيم مفقود! ولا شك أن الأشهر الثلاثة القادمة تحمل في طياتها ألوانا من الشقاء لم يحلم بها قط، فماذا هو صانع؟ ومضى يشد حاجبه الأيسر يلوح في وجهه الشاحب العزم والتحدي ...
11
Shafi da ba'a sani ba