غرق روبرت بدرجة أعمق قليلا في حزنه. «ها هنا سيدتان وحيدتان ولم يترك لهما الأب أي إرث، ومقيدتان بمنزل كبير في الريف؛ إحداهما عجوز لدرجة تعوقها عن أداء أعمال المنزل والأخرى تكره أداءها. ما الشكل الأكثر ترجيحا أن يأخذه جنونهما الطفيف؟ احتجاز فتاة لتعمل كخادمة لهما، بكل تأكيد.»
تبا لكيفين ولعقلية المحامي لديه. ظن روبرت أنه قد أراد رأي كيفين، لكن ما قد أراده هو تأييد كيفين لرأيه الشخصي. «الفتاة التي حبساها هي طالبة لا لوم عليها، وبعيدة بوضوح عن منزلها. من سوء حظهما أن الفتاة بريئة للغاية؛ إذ إنها لم يكتشف أنها كذبت حتى تلك اللحظة، وسيأخذ الجميع كلامها ضد كلامهما. لو كنت أنا في موقع التصرف مثل رجال الشرطة، لكنت جازفت وواصلت النظر في القضية. يبدو لي أنهم فقدوا قدرتهم على الحكم السليم.»
سدد نظرة متلذذة إلى روبرت، الذي تراجع ببطء في كرسيه، ناظرا في يأس إلى أسفل عند قدميه الطويلتين أمام المدفأة. فجلس دقيقة أو دقيقتين مستمتعا بحيرة صديقه.
ثم قال، بعد مدة طويلة: «بالطبع، ربما تذكروا قضية مشابهة، صدق الجميع فيها قصة الفتاة التي ينفطر لها القلب وضللوا تماما.»
قال روبرت، وهو يثني رجليه ويعتدل في جلسته: «مشابهة! متى؟» «في القرن السابع عشر، أو ما شابه. لا أتذكر التاريخ الدقيق.»
قال روبرت، شاعرا باليأس مرة أخرى: «أوه!»
قال ماكديرموت بلطف: «لا أدرى عن أي شيء هذا التعجب». وتابع: «لم تتغير كثيرا خلال القرنين الماضيين طبيعة أدلة الغياب عن مكان وقوع الجريمة.» «أعذار؟» «في حال أن القضية المشابهة اتخذت كدليل مرشد بأي حال من الأحوال، فإن قضية الفتاة تتعلق بغيابها عن مكان وقوع الجريمة.» «إذن أنت تصدق - أقصد أنك تجد أنه من الممكن التصديق - بأن قصة الفتاة هراء تماما؟» «اختلاق محض من أولها لآخرها.» «كيفين، أنت ستتسبب في إصابتي بالجنون. قلت إنك وجدت القصة يمكن تصديقها.» «أجل أجدها كذلك. وأجد أيضا أن من الممكن تصديق أنها كذب في كذب. أنا لست منحازا لأي من الطرفين. أستطيع أن أورد حججا قوية لتأييد كليهما، في أقل مهلة ممكنة. إجمالا، من المفترض أن أفضل العمل محاميا لصالح الفتاة الصغيرة من إيلزبري. ستصبح مذهلة في منصة الشهود، ومن منطلق ما تخبرني به فإن السيدتين شارب لن تمثلا العون الكافي، من حيث الشكل، لتدعيم دفاع المحامي عنهما.»
ومن ثم نهض كي يصب لنفسه مزيدا من الويسكي، باسطا يده الأخرى للحصول على كأس روبرت. لكن روبرت لم يكن في حالة مزاجية تسمح له بالمرح. فهز رأسه رافضا من دون أن يرفع بصره عن المدفأة. كان متعبا وبدأ في الشعور بالغضب من كيفين. لم يكن مصيبا في مجيئه إليه. لو أن رجلا كان قد عمل محاميا في محاكم جنائية بالقدر الذي عمل فيه كيفين، لم يكن لينضح عقله سوى بوجهات نظر، وليس بمزيد من القناعات. كان سينتظر حتى ينتهي كيفين من نصف الكأس الذي يجلس وهو يحمله الآن، ثم يهم بالانصراف. سيصبح من الجيد أن يضع رأسه على وسادة وينسى قليلا أنه مسئول عن مشكلات أناس آخرين. أو على وجه الدقة، عن حلها.
قال كيفين محاورا، وهو يتجرع كمية كبيرة من الويسكي الفاخر: «إني أتساءل عما كانت تفعله طوال ذلك الشهر.»
انفتح فم روبرت ليقول: «فأنت إذن تصدق أن الفتاة مراوغة»، لكنه أوقف نفسه في الحال. فتمرد على الرقص أكثر من ذلك على مزمار كيفين هذا المساء.
Shafi da ba'a sani ba