قال روبرت سريعا: «كلا، بالطبع كلا.» ثم تابع قائلا: «أشعر بصراحة تامة أنك ستكونين أكثر حكمة ...»
فقاطعته قائلة: «أتدري بم أشعر؟» ثم أردفت قائلة: «أشعر وكأني شخص يغرق في نهر لأنه لا يستطيع سحب نفسه إلى الضفة، وبدلا من أن تبسط إلي يدك، تشير إلى أن الضفة الأخرى أفضل كثيرا أن أتحرك إليها.»
سادت لحظة صمت.
ثم قال روبرت: «بل على العكس، بإمكاني أن أقدم إليك خبيرا ينتشلك من النهر؛ خبيرا أفضل بالمقارنة بشخصي القليل الخبرة، أؤكد لك. بنجامين كارلي لديه معرفة واسعة في الدفاع عن أشخاص متهمين أفضل من أي أحد بين هنا و...» «ماذا! ذلك الشاب الضئيل البغيض ذو البدلات المقلمة!» ارتفع صوتها العميق وهي تقول ذلك وانفجر، ثم تبع ذلك لحظة صمت أخرى. ثم قالت بصوتها المعتاد: «أعتذر إليك، كان ذلك سخيفا مني. لكن اعلم، عندما اتصلت بك للتو لم يكن لظني فيك أنك الأكثر براعة في تلك الأمور» (ظن روبرت بداخله: «لم يكن لذلك، بالفعل») «إنما لأني كنت في مأزق وأردت نصيحة شخص يشبهني. وأنت تشبهني. يا سيد بلير، أرجوك أن تأتي. أحتاج إليك الآن. يوجد أفراد من شرطة سكوتلاند يارد في المنزل هنا. وإذا شعرت أنك لا تريد الانخراط في هذه القضية، بإمكانك دائما أن تحيله إلى شخص آخر فيما بعد؛ أليس كذلك؟ لكن ربما لا يوجد أي شيء لتنخرط فيه رغم كل ذلك. إذا تكرمت بالمجيء إلى هنا وأن «تباشر مصالحي» أو أيا كان ما تسميه، لساعة واحدة، فربما ينتهي الأمر برمته في سلام. أثق أن هناك خطأ في مكان ما. ألا يمكنك أن تتكرم وتفعل ذلك من أجلي؟»
على العموم ظن روبرت بلير أن ذلك في وسعه. فهو دمث الخلق لدرجة تمنعه من رفض أي مناشدة مقبولة - وهي قد منحته مهربا إذا وجد الأمور صعبة. وهو، في واقع الأمر، وكما خطر في باله في تلك اللحظة، لم يرد أن يلقي بها إلى بن كارلي. رغم حماقتها بشأن البدلات المقلمة، تبين له وجهة نظرها. إذا كنت قد ارتكبت فعلة وأردت أن تنجو منها، فإن كارلي بلا شك هو هبة من الله لك؛ أما إذا كنت متحيرا ومتورطا وبريئا، فربما شخصية كارلي المتعجرفة لم يتوقع منها أن تصبح ملجأ فوريا لطلب المساعدة.
رغم كل ذلك، تمنى وهو يضع سماعة الهاتف لو أن المظهر الخارجي الذي يظهر به أمام العالم كان منفرا - ليكن كالفين أو كاليبان، لم يكن يبالي، ما دامت النساء الغريبات سيمتنعن عن الارتماء بأنفسهن في حمايته عند وقوعهن في مأزق.
فتساءل وهو يتجه إلى مرأب السيارات في سين لين حتى يستقل سيارته: تحت أي نوع محتمل من المآزق قد يصنف «الاختطاف»؟ هل هناك في القانون الإنجليزي مثل هذه الجريمة؟ ومن ربما تهتم باختطافه؟ أهو طفل؟ طفل يرجى من ورائه الحصول على مال؟ رغم ضخامة المنزل على طريق لاربورو فإنهما أعطتا انطباعا بأن ليس لديهما سعة من المال. أم أنه طفل ظنا أنه تلقى «معاملة قاسية» من أوصيائه الشرعيين؟ ذلك ممكن. كان للسيدة العجوز وجه متعنت، إذا سبق له رؤية وجه مثله من قبل، أما ماريون شارب نفسها فكانت تبدو كما لو أن العصا هي عكازها الطبيعي إن لم تكن العصا قد عفا عليها الزمان. حقا، كان مرجحا أنه عمل إنساني أحمق. الاحتجاز «بنية منع الآباء، الأوصياء، وخلافهم، من الاحتفاظ بالطفل». تمنى لو أنه تذكر تفاصيل أكثر عن قضية هاريس وويلشير. لم تسعفه الذاكرة أن يسترجع إن كانت جناية، مع فرض أشغال شاقة في المستقبل القريب، أم أنها مجرد جنحة. فقضية كقضية «الاختطاف والاحتجاز» لم تكن قد لطخت ملفات مكتب بلير، وهيوارد، وبينيت منذ ديسمبر 1798، عندما اختطف سكوير ليسوس، تحت تأثير نبيذ الكلاريت الموسمي، الآنسة جريتون على حصانه من حفل في منزل جريتون وسار بها بعيدا وسط السيول الجارفة، ولم يكن هناك شك على الإطلاق، بالطبع، في دافع ذلك السيد لارتكاب ذلك الحادث.
آه، حسنا؛ كانا بلا شك على استعداد الآن للاستماع لصوت العقل نتيجة لفزعهما من اقتحام شرطة سكوتلاند يارد لخططهما. هو نفسه كذلك أفزعه بدرجة ما وجود شرطة سكوتلاند يارد. أكان الطفل ذا شأن إلى هذه الدرجة حتى ينتفض له المركز الرئيسي لشرطة لندن؟
في مكان ما في سين لين، وجد نفسه في مواجهة الحرب المعتادة، لكنه حرر نفسه. (إن المتخصصين في أصول اللغة، في حالة أنه أثير فضولك، يذكرون أن كلمة «سين» ما هي إلا تحوير لكلمة «ساند» أي، الرمال، لكن أهل ميلفورد بكل تأكيد أعلم بهذا الأمر؛ قبل أن تبنى مساكن البلدية تلك على المروج المنخفضة وراء القرية كان هذا الزقاق يفضي مباشرة إلى ممشى العشاق في الغابة.) عبر الزقاق الضيق وقف، وجها لوجه في عداوة أزلية، إسطبل محلي لتأجير الخيول أمام أحدث مرأب سيارات في القرية. كان يبث المرأب الرعب في الخيول (هكذا ادعى إسطبل الخيول)، ويسد إسطبل الخيول الطريق دائما بحمولات التبن والعلف وأشياء أخرى من هذا القبيل (هكذا ادعى المرأب). علاوة على ذلك، المرأب كان يديره بيل برو، الذي عمل ضمن فيلق المهندسين الكهربائيين والميكانيكيين الملكيين سالفا، وستانلي بيترز، الذي عمل سالفا في سلاح الإشارة الملكي؛ أما مات إليز العجوز، الذي عمل ضمن كتيبة فرسان الملك سالفا، فقد اعتبرهما نموذجا ممثلا لجيل أجهز على سلاح الفرسان وارتأى أنهما عار على الحضارة.
في الشتاء، عندما كان روبرت يصطاد، سمع جانب سلاح الفرسان من القصة؛ ولبقية العام استمع إلى جانب سلاح الإشارة الملكي، بينما كانت سيارته تمسح، أو تشحم، أو تزود بالوقود، أو تحضر له. وقد أراد سلاح الإشارة اليوم أن يعرف الفرق بين القذف والتشهير، وما قد يندرج على وجه الدقة تحت بند التشهير بشخص. أيعد تشهيرا أن تقول على إنسان بأنه كان «سمكريا يعمل مع علب صفيح ولا يمكنه تمييز حبة الجوز من ثمرة البلوط»؟
Shafi da ba'a sani ba