* البرهان الثاني على ما ذكرناه
** أن نقول :
لا شك أن كل موجود. فهو إما أن يكون واجب الوجود لذاته ، أو لا يكون. والقسم الأول هو الله سبحانه والقسم الثاني هو كل ما سواه. وهذا القسم تكون حقيقته قابلة للعدم ، وقابلة للوجود. أما كونها قابلة للعدم ، فلأن حقيقته إن لم تكن قابلة للعدم ، كان واجب الوجود لذاته. وكنا قد فرضنا : أنه ليس كذلك. هذا خلف.
وأما كونها قابلة للوجود. فلأنا فرضناها موجودة.
ولو لم تكن تلك الحقائق قابلة للوجود ، لما كانت موجودة. فثبت : أن كل ما سوى الله سبحانه ، فإن حقيقته قابلة للعدم ، وقابلة للوجود. وكل ما كان كذلك ، فهو مفتقر إلى المؤثر. فكل ممكن ، فهو مفتقر إلى المؤثر. والشيء الذي يفتقر إليه كل الممكنات لا يكون ممكنا. وإلا لكان ذلك الممكن مفتقرا إلى نفسه فثبت : أن جميع الممكنات مستندة في سلسلة الحاجة والافتقار إلى واجب الوجود.
ولا شك أن أفعال العباد ، قسم من أقسام الممكنات ، فوجب القطع بانتهائها في سلسلة الحاجة إلى واجب الوجود لذاته. وهو المطلوب.
فإن قيل : عندنا : أن فعل العبد واقع بالقدرة القائمة بالعبد ، وبالداعية القائمة به. وتلك القدرة وتلك الداعية ، إنما حدثت بإيجاد واجب الوجود. فكان فعل العبد مستندا إلى واجب الوجود بهذا الطريق. إلا أن إسناده إلى واجب الوجود ، بهذا الطريق ، لا يمنع من وقوعه بقدرة العبد. فثبت : أن الدليل الذي ذكرتم لا يفيد مقصودكم من هذه المسألة.
الجواب : نحن ندعي أن عند فقدان القدرة والداعي ، يمتنع حصول الفعل. وعند حصولهما يجب الفعل. ومتى كان الأمر كذلك ، لم يكن العبد مستقلا بالفعل. أما أنه لا بد من القدرة ، فلأن العاجز عن الفعل ، لا يفعل. وأما أنه لا بد من الداعية ، فلما بينا في البرهان الأول : أن القادر إذا خلا عن الداعية ، امتنع صدور الفعل عنه وأما عند مجموع القدرة والداعي ، يجب الفعل. فلأن عند حصول هذا المجموع ، يحصل رجحان جانب الفعل. ومتى حصل الرجحان ، فقد حصل الوجوب. للدلائل الجمة التي قررناها في البرهان الأول.
فثبت : أن عند فقدان مجموع القدرة مع الداعي ، يمتنع الفعل. وثبت : أن عند حصولهما يجب الفعل. فإذا فعل الله ذلك المجموع ، وجب الفعل وإذا لم يفعل ذلك المجموع ، امتنع الفعل. فحينئذ لا يكون العبد مستقلا بالتكوين والإيجاد.
وبالله التوفيق
Shafi 49