والصبح (١) وأوقف على عثمان فضلهما)، وقد بيَّنا أن مسلمًا أسنده (٢)، وإنما خصهما النبي، ﷺ، في هذا الموضع بالتنبيه على الفضل لأن الصبح تأتي في وقت فيه النوم والعتمة، تأتي في وقت يستولي فيه على البدن النصب؛ فإذا قابل استيلاء النصب وغلبة النوم إيمانًا ضعيفًا أخَّرهما أو تركهما استخفافًا وتكاسلًا، وإذا غلب اليقين قام إلى فعلهما، وضرب المثل بالمنافقين مجازًا لأنه قد يتركهما من ليس بمنافق. ووجه المجاز في ذلك أن الله تعالى قال في صفة المنافقين ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ (٣).

نكتة أصولية: غفر الله تعالى للرجل الذي وجد غصن شوك على الطريق فنزعه (٤)، كما غفر للبغي التي سقت الكلب بموقها (٥) وهذا المقدار من الحسنات لم يوازِ أجره قدر وزر الزنا في السيئات ولكن فيه ثلاث معان:

أحدها: أن هذا الفعل إنضاف إلى سواه، وذكر دون غيره تنبيهًا على قدره.

الثاني: أنه كان سببًا للتوبة فترتب الغفران عليها وترتبت هي على هذا السبب فأضيف الحكم إلى السبب الأول تنبيهًا على اكتساب الحسنات، فإن الحسنة إلى الحسنة ولاية والسيئة إلى السيئة غواية.

الثالث: في معنى غفر الله له أي غفر له من ذنوبه بمقدار هذا الفعل من الأجر.

(١) مالك عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي عن سعيد بن المسيب أن رسول الله ﷺ قال (بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ شهُودُ الْعشاءِ وَالصُّبْحِ لَا يَسْتَطِيعُونَهُمَا ..).

الموطّأ ١/ ١٣٠ قال ابن عبد البر: هذا الحديث مرسل في الموطّأ لا يحفظ عن النبي ﷺ مسندًا؛ ومعناه محفوظ من وجوه ثابتة. تنوير الحوالك ١/ ١٥١.

(٢) مسلم في كتاب المساجد باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة ٤/ ٤٥١، ورواه الترمذي ١/ ٤٣٣، وقال حسن صحيح، وقال وقد روي هذا الحديث عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن عثمان موقوفًا، وروي من غير وجه عن عثمان مرفوعًا، وأحمد في المسند رقم ٤٠٨ و٤٩١، وابن خزيمة ٢/ ٣٦٥ وأورده الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ١/ ١٦٨، ولفظ الحديث عن عثمان بن عفان قال: سمعتُ رسولَ الله ﷺ، يقول: "مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ في جَمَاعةٍ فَكَأنَّمَا قَامَ نِصْفَ الْلَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبحَ في جَمَاعَةٍ فَكَأنَّمَا صَلَّى الْلَّيْلَ كُلَّه".

(٣) سورة النساء آية ١٤٢.

(٤) متفق عليه. البخاري في كتاب الأذان باب فضل التهجير إلى الظهر ١/ ١٦٦ ومسلم في كتاب الأمارة باب بيان الشهداء ٣/ ١٥٢١، والموطّأ ١/ ١٣١ كلهم عن أبي هريرة.

(٥) مسلم في كتاب السلام باب فضل سقى البهائم المحترمة وإطعامها ٤/ ١٧٦١ عن أبي هُرَيْرَة.