قال: وإنما تفعل هذه الطائفة ما ذكرناهُ من سماع الغناء، والنظر إِلَى وجوه الملاح بعد تناول الألوان الطيبة، والمآكل الشهية.
فَإِذَا شبعت منها نفوسهم، طالبتهم بما يتبعها من السماع والرقص، والاستمتاع بالنظر إِلَى وجوه المُرد. ولو نظروا فيما ذكر من (التقليل) (**) من الغذاء، وما فيه من المجاهدة دُون الشهوات؛ لأخذوه بقدرٍ، ولم يحنوا إِلَى سماع ونظر. وذكر بقية الكلام.
وقد حكى الإمام أبو عمرو بن الصلاح وغيره من العُلَمَاء، الإجماع عَلَى تحريم السماع المعتاد في هذه الأزمان عَلَى وجهه المعتاد. قال: ومن نسب إباحته، إِلَى أحد من العُلَمَاء -يُجوز الاقتداء به في الدين- فقد أخطأ. وما جاء عن بعض المشايخ من استباحته، ففي غير هذا السماع، وبشروط شرطوها غير موجودة في هذا السماع.
ومما ينبغي أن يُعلم أن الله تعالى أكمل لنا ديننا، وأتم علينا نعمته ورضي لنا الإسلام دينًا. فما ترك شيئًا مما يقربُ منه ومن دار كرامته، إلا وأرشدنا إِلَيْهِ، ولا شيئًا يُباعد عنه وعن دار كرامته، إلا وزجرنا عنه.
ولما كان الآدمي مركبًا من جسد وروح، ولكل منهما غذاء يتغذي به، فكما أن الجسد يتغذي بالطعام والشراب، ويلتذ بالنكاح وتوابعه، وبما يشمه ويسمعه، فكذلك الروح لها غذاء تتغذي به، هو قوتها. فَإِذَا فقدته مرضت أعظم من مرض الجسد بفقد غذائه، ومتى كان الجسد سقيمًا. فإنه لا (يلتذ) (**) بما يتغذي به، ولا يميلُ إِلَى ما ينفعه؛ بل ربما مال إلي ما يضره.
فكذلك القلب والروح، إذا مرض فإنه لا يستلذ بغذائه، ولا يميل إِلَيْهِ، بل يميل إِلَى ما يضره. ولا قوت للقلب والروح، ولا غذاء لهما سوى معرفة الله تعالي، ومعرفة عظيمة وجلاله وكبريائه. فيترتب علي هذه المعرفة، خشيته
_________
(*) التقلل: "نسخة".
(**) يستلذ: "نسخة".
2 / 467