وقوله: كتاب كريمي من حيث نسبته إليه، كليمي من حيث نسبته إلى اليد لبيضاء من يديه، مسيحي من حيث أن أحيى موات الأنس، محمدي من حيث كاد يكون بما نفثه في روعي روح القدس، فلا عدمت مخاطبته التي تخلع على الأيام يوم العيد، وعلى الليالي ليلة العرس. فأبقاه الله للسان العربي فلولاه كان مزويا لا مرويا، مدحورا لا مدخورا، ولولاه لحالت أحرفه عن حالاتها، وأبت الفصاحة أن تكون قوائم الأحرف من آلاتها. فكانت تقعد ألفه القائمة، وتموت باؤه النائمة، ويزيد حني ظهر داله حتى يلحق بالرغام خدها ويغض، وحتى تدرد أسنان سنه فلا يبقى لها ناجذ عليه تعض.
وقوله: وقف عليه والشكر عن المنعم به غير واقف بل وقف، واستمطر منه صوب الغمام فما انقطع له ولا كف وكف، ورأى بنيان تبيان لو رأته المجارون لأتي بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف، فلله هو من بليغ إن قال فالقول عنده أكثر يوم البين من ماء الطرف، وإن رام القول غيره فهو أقل عنده يوم الحسين من ماء الطف.
وقوله في جواب كتاب للشيخ تاج الدين الكندي: وظننته وحقق الله فيه الظن وقد ارتقى الأسباب وأخذ اللفظ من القطر والقرطاس من السحاب، وآمنت بصحة رقيه، وتبينت التقاطه للنجوم حين أوردها في بارع اللفظ ونقيه، وقلت للجماعة: كلام التاج تاج الكلام، والملك في كندة وكانت أقلامها سيوفا وسيوفها الآن أقلام.
وقوله: فوقفت منه على ظرف الظرف، وتحفة الطرف، وكدت أعبده منه على حرف، وكل حرف ذلك الحرف. ولولا إشفاقي أن يفطن الدهر لمكانه من قلبي، وخوفي أن أعرفه بحسنته منه فأغريه منها برفع أوزار حربي، لقلت قولا يغض الأولين والآخرين من هذه الصناعة، وأنفذت فيهم سهاما لا تحمي شاعرا منها صخرة وجه ولا كاتبا درع دراعة. وما هي إلا آيات كل واحدة أكبر من أختها، وفكر مرزوقة في أيام الجمعة كلها إذا أتت الفكر أرزاقها يوم سبتها.
وقوله: كتب كريمة كادت ألفاظها تتبسم، ومعانيها تتكلم، وكادت حروفها تكون أناسي لعين المسار، وكادت سطورها تجلي عرائس وعليها من الشكل حلي ومن النقط نثار.
وقوله: كتاب سني المعاني سيني القوافي، وحق سينه أن يخلص لها الإقبال، والسين تصحب الفعل فتخلصه للاستقبال، وهذا أفق لامطار فيه إلا للعقاب وابنه، وبحر لا سبح فيه إلا لمن يخرج الدر من فيه ويدخل البحر في ردنه، وما عنيت ها هنا بالبحر إلا يده الكريمة فأما البحر فلم أعنه.
وقوله: كتب المجلس روح الله قلبه، وأتاح قربه، ولا برحت أقلامه سلاح أوليائه على الزمن إذا خافوا حربه، تؤنس راجيها، وتؤيس مجاريها، ويخصب بها السمع، ويتظاهر بها النفع، لولا أنها تغير علينا شيمنا فتخلق فيها الحسد، وتشد أيدينا إذا تعاطينا المجاراة بحبل من مسد.
وقوله: وسيدنا ما بعد بيانه بيان، وبين فكيه سيف وبين فكي كل إنسان لسان، فقولي يا أقلامه فقد خرست في الغمود المناصل، وتبختري يا تغلب ابنة وائل فقد أعطي من البلغاء التقدمة وهم صارغون، وأفلح المعترف بفضله وقد علم أنه لا يفلح الكافرون.
وقوله: ووقف على الميمية فأطاف به منها الطوفان، وحياة منها الروح والريحان، وهي مما أملاه ملك إن كان يملي الأشعار شيطان، وعجبت لاطراد تلك القوافي، ورأيت الشعراء أتت بما ألفت في ضيق الأودية وخاطره وقلمه أتيا بما ألقيا في الفيافي، وكل بيت منها بديوان، كما أن قائلها إنسان يفدى بألف إنسان، كما أن قلمه قصير فما جدع أنفه إلا ليأخذ ثأر القلم من السنان.
قلت: وعلى ذكر الفيافي في قول القاضي الفاضل، وما ركبه في هذه السجعة من الجناس المليح، فكنت كتبت إلى شيخنا الحافظ فتح الدين محمد بن سيد الناس أبياتا، وأجابني عنها بنظم ونثر. من جملة النثر: بل ذلك السحر الحلال الشافي، بل تلك القوى في القوافي، بل تلك المقاصد التي أقصدت المنى في المنافي.
فكتبت الجواب إليه ومنه: وعكف منه على كعبة البلاغة، فيا حسن ما نشر في استلامي وطوى في طوافي، وأراد طائر القلب أن ينهض بالجواب فذهبت القوى من القوادم، وظهر الخوى في الخوافي. رجع إلى كلام الفاضل.
1 / 28