كان اليهود قبل أن يصلوا إلى التوحيد يعبدون أصناما؛ أي تماثيل موتاهم، فكان لكل عيلة صنم صغير هو في الأصل صورة فقيد من العيلة منحوتا على حجر صغير كانوا يتبركون به ويقدسونه ولم تتلاش هذه العادة إلا مؤخرا عند تغلب التوحيد.
وكانوا يعبدون الأحجار كما كان يفعل العرب. وقد بينا السبب في عبادة الأحجار. ونقول الآن إن بعض هذه الأحجار كان ينحت على هيئة أسطوانة مخروطة القمة كالمسلات إذا كان المدفون رجلا أو على هيئة الأثداء إذا كان الشخص المدفون امرأة؛ أي إن الأحجار كانت توضع في الأصل لتعريف الميت إذا كان ذكرا أو أنثى، وكان يرمز للذكر بعضو التذكير.
فلما اكتسبت الأحجار سمة القداسة انتشرت هذه الأساطين وصار ينسب إليها القدرة على إيجاد النسل للمرأة العاقر، فكان يضحي ويصلي لها. وقد كان عند اليهود كثير من هذه الأحجار ولم يكن «بعل» إلا حجرا من هذه الأحجار آلهة اليهود (ولعل معنى الزواج العربي الذي في هذه الكلمة مأخوذ من هذا المعنى العبراني القديم).
ولنقل الآن إن التوراة قد أقرت بوجود هذه الأحجار كما أقرت أيضا أبحاث النقابين. ونريد أن نبين الآن أن إله العبرانيين «يهوه» الذي تغلب على كل الآلهة المعاصرة له وتفرد بالألوهية دونها لم يكن في الحقيقة إلا حجرا من هذه الأحجار - أي أسطوانة ترمز إلى الذكورة كان يراد بها الدلالة على جنس الشخص المتوفى ثم عم تقديسها عند اليهود. والدليل على ذلك أن أنبياء التوراة الذين أرادوا أن يجردوا «يهوه» من كل مادة لم يتمالكوا عن أن ينسبوا إليه بعض أشياء نمت بأصله. من ذلك أنهم كانوا يصفونه بأنه «الصخرة القوية» وكانوا ينسبون إليه قوة إيجاد النسل للعواقر، وكادوا لا ينسبون إليه قوة أخرى كأنه أخصائي في هذا الأمر. وفي الضحية التي كان اليهود يقدمونها له - وهي الولد البكر - دلالة على وظيفته كأنهم كانوا يقولون «حيث إنه المنعم علينا بأولادنا وفي يده حرماننا من النسل يجب أن نضحي له بكرنا.» وقد استعاضوا عن هذه الضحية فيما بعد بقطع قلفة الذكر ورميها إليه. وهو عمل جدير بالالتفات للمعاني الملتفة حوله. وقد ضاعت دلالة هذه العادة الآن وصار الأب «يختن» ابنه لغرض صحي أو ديني مجهول. ويهوه هذا هو الله الذي عبده المسيحيون فيما بعد كما سنبين، وهو الحجر الذي خرج اليهود من مصر به. (9) ظهور التوحيد
كان الإسرائيليون يعبدون جملة آلهة لم يكن يهوه إلا واحدا منها، وسنبحث في هذا الفصل عن الأسباب التي دعت إلى إفراد يهوه بالألوهية دون بقية الآلهة وكيفية نشوئه من الأسطوانة الحجرية الحقيرة إلى الإله الأثيري المتجرد من كل صفة مادية.
من سمات العقل السامي خلطه في مميزات الآلهة وصفاتها وإشراك الواحد في صفات الآخر. والباحث عن الآلهة المصرية يصعب عليه جدا التمييز بين الآلهة وتحديد كل واحد منها في حدود مخصوصة. مثال ذلك أنها كلها قد اكتسبت بتقادم العهد صفة «را»؛ أي الشمس المؤلهة. فكل الآلهة المصرية تتصف بأنها مبعث النور، مع أن هذه الصفة كانت تقتصر على «را» فقط. وقد يكون هذا الخلط هو السبب في الاهتداء إلى الاعتقاد بإله واحد؛ لأن الآلهة إذا تساوت في الصفات وضاعت مميزات الواحد عن الآخر فنيت شخصياتها في بعضها وأصبحت إلها واحدا كثير الأسماء عديد الصفات.
وإذا بحثنا عن الأدوار التي ترقى فيها «يهوه» إله اليهود نجد أنه كان في الأصل أسطوانة ترمز إلى الذكورة ثم صار عجلا، وبعد ذلك استغنى اليهود عن العجل وأبقوا القرون، وما زالوا يرسمون القرون على الهياكل إلى ما بعد التوحيد. ثم اكتسب يهوه صفات الشمس. وكان اليهود يعبدون معه سبعة آلهة أخرى هي السيارات السبعة. فلما ارتقوا إلى التوحيد أفردوه بالألوهية وجعلوا السنة مقسمة إلى أسابيع، كل أسبوع منها سبعة أيام مسماة على أسماء السيارات. وقد كانوا لا يشتغلون يوم السبت؛ خوفا من غضب أحد الآلهة فلما تسيطر يهوه على الآلهة واستبد بالسلطة صاروا «يستريحون» في ذلك اليوم مجاراة ليهوه الذي استراح فيه من خلق الدنيا.
وهناك ثلاثة أسباب ساعدت يهوه على التفرد بالألوهية والخروج من الحالة المادية إلى الحالة الروحية:
السبب الأول:
هو أهمية وظيفته الأصلية للأمة اليهودية وعلو منزلته بذلك في عيون اليهود. نريد بهذه الوظيفة تكثير النسل وتنميته، وهو عمل عظيم لأمة صغيرة كاليهود محفوفة من كل جانب بأعداء أقوياء يجزون منها رجالها في حروبهم المتتالية. فإن أعظم نعمة ينعم بها إله على أمته في مثل هذه الظروف هي تكثير نسلهم.
Shafi da ba'a sani ba