وعلة العرفان بها: تبين حسان الأمور وقبيحها، وفاسدها وصحيحها، والتمييز بها والحكمة ما شرف فيها. والخواطر في تبيينها لها، والفكر شعارها. ذلك تقدير العزيز العليم. خص به الإنسانية من خلقه، وفضل به المكلفين من خلقه؛ ليبلغوا منافع لهم، وأعدمهم العجز، كما كلفهم، حجة عليهم، وحمة بالغة فيهم، وفضل عظيم لهم، مع قدرته على اتصال ما عرضهم لعباده، وغناه عنهم وعنها منهم فحسن مع ذلك تكليفهم؛ لأنه لا يجوز في الحكمة، شكر من لا يستحق الشاكر، بإحسان كان منه، مع لذته لذلك، وقدرة الشاكر على شكره. ولذلك لم يجز أن يبتدئ عباده بالشكر لهم، واتصال اللذة بهم إليهم، من غير أن يكون منهم
فعل يستحقون به شكره إياهم، وإن كان قادرا على فعل ذلك بهم.
وكذلك ما أدخله من المكاره على أطفالهم، لا يجوز في الحكمة ابتداؤهم بما يعوضونه به منه؛ لأن العوض استحقاق بما نالهم بما يستحقون، لا يجوز كونها بغير ما يستحقون.
ولما كان خلقه إياهم لينتفعوا حكمة، كان الإحسان إليهم كذلك. وكان الكفر منهم كذلك، في عقولهم. وكان الشكر به حسنا منهم، ترك هذا الشكر.
ولما كان ذلك كذلك، كان الأمر بهذا الشكر، والترغيب فيه حسنا.
ولما كان ذلك كذلك، كان تركه قبيحا. ولما كان تركه قبيحا، كان النهي عن تركه حكمة، لأن ما كان حسنا، فحسن الأمر به.وما كان قبيحا، فحسن التزهيد فيه منهم، والنهي عنه. ولئن يكون الترغيب إلا بعدمهم، المرغب لهم فيه بعدهم: أنه يحرم ذلك من كفره، ولم يرغب.
وإذا كان كذلك، لم يجز في الحكمة أن يساوي بين الشاكر والكفر، ولا يعطي أحدهما ما يعطيه الآخر منهما.
ولو كان ذلك كذلك، ما رغب الراغب في الشكر، ولا زهد الزاهد في الكفر، إذا كان ينال أحدهما من اللذة، ما ينال الآخر منهما.
ولو كان ذلك، لكان لا معنى للترغيب في الشكر، والتزهيد في الكفر، دون الترغيب في الكفر، والتزهيد في الشكر.
Shafi 87