... وقد قلنا: في متقدم الكتاب: إن العلم لو كان مخلوقا، لكان البارئ تعالى، لم يزل فيما لم يزل، قبل خلقه لعلم نفسه جاهلا. ألا ترى أنه يقول القائل: لم يزل الله تعالى عالما بنفسه، أنه واحد ليس كمثله شيء. فكيف يكون علمه مخلوقا، مع أنه تعالى، كيف يخلق العلم لنفسه، ولا يعلم ما يخلق لنفسه؛ لأنه تعالى، أن لو أنه إذا أراد أن يخلق العلم. أليس يخلقه، وهو عالم بما يريد أن يخلق.
... فإذا كان كذلك عالما بما يريد أن يخلق، فقد سبق العلم، قبل خلق العالم وكفى ذلك. فكيف وأنه غير مخلوق، فالعلم غير مخلوق.
... وكذلك القول في المشيئة. فلو أنه تعالى أراد أن يخلق المشيئة. فلا بد أن تتقدم قبل خلقها، مشيئة خلق المشيئة، لأنه تعالى لا يخلق المشيئة، من غير أن يشاء أن يخلقها. ومشيئة بمشيئة، ومشيئة بمشيئة. يتسلسل ذلك إلى غير نهاية. فذلك فاسد.
كما أنه أراد أن يخلق علما، فلا يخلقه، حتى يعلم أنه قد شاء أن يخلق علما. فعلم بعلم، وعلم بعلم فاسد.
... وكذلك القول في الإرادة، إذا إراد أن يخلقها فلا بد أن يريد أن يخلقها.
... فإذا كانت إرادة متقدمة. لخلق هذه الإرادة. تفاسد أن يكون خلق إرادة بإرادة، وإرادة بإرادة. يتسلسل ذلك إلى غير نهاية. فذلك فاسد.
... وكذلك القول في القدرة، إذا أراد أن يخلق القدرة، فلا يخلق القدرة إلا بقدرة قبلها. فقدرة بقدرة، وقدرة بقدرة، إلى غير نهاية، إنه فاسد، مع أنه إذا خلق القدرة، وكانت محدثة. أليس يكون قبل خلقها عاجزا، والعاجز ليس بإله قدير عليم بصير خيبر. وبالله التوفيق.
الباب الثالث والثمانون
في بيان أقسام مشيئة الله تعالى وإرادته في جميع مخلوقاته
من كتاب الضياء:
قال المؤلف: إن لله تعالى في خلقه إرادتين ومشيئتين.
ومعنى الإرادة والمشيئة واحد، غير أنهما اسمان، يتضمنهما معنى واحد.
إحداهما: مشيئة الأمور، التي أرسل الله تعالى بها الرسل، وهدى بها السبل.
Shafi 67